د. علي بن عبدالرحمن الطّيار
ينظر الإسلام إلى الأسير نظرة المسالم ما دام قد وضع سلاحه وعجز عن الدفاع عن نفسه، وخرج من ميدان القتال. فمن رحمة الله تعالى وعدله أن نظم الإسلام علاقة المسلمين بمن يقع في أيديهم من الأسرى أثناء الحرب أو بعدها، ولم يترك ذلك لأغراض الناس وأهوائهم، لئلا تتحرك فيهم غريزة
الانتقام والتشفي، فقد أمر الإسلام بحسن معاملة الأسير، وحرّم تعذيبه أو حرقه أو قتله أو تجويعه أو تعطيشه أو فتك ستره وغير ذلك من وسائل إلحاق الضرر به وإيذائه، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في أسرى بدر: (استوصوا بالأسارى خيراً). وهذا الحكم الشرعي في الحديث ليس لمجرد الندب أو الإباحة، وإنما هو للوجوب، ذلك لأنه وارد بصيغة الأمر.
والأسر في الإسلام مشروع لقوله تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ}، وذلك يعني أسرهم ومنعهم من التصرف في بلاد الإسلام.
والأسر قد يكون بغير قتال، مثل أن تُلقي سفينة شخصاً من الكفار إلى ساحل بلاد المسلمين، أو يضل أحدهم الطريق.
ويُقال للأسير من العدو: أسير أو أخيذ، لأن آخذه يستوثق منه بالإسار لئلا يفلت، والأسرى في اصطلاح الفقهاء هم: الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأسرهم أحياء.
وفي القانون الدولي: إن الأسير هو كل شخص يقع في يد العدو بسبب عسكري.
والإسلام يعامل الأسرى معاملة تتسم بالرفق والإحسان مع العدل والتسامح والعفو، والمحافظة على كرامتهم الإنسانية وحريتهم العقدية وغيرها من الحقوق والآداب الإسلامية، حيث الإسلام يوجب احترام آدميتهم وإكرام إنسانيتهم، ومعاملتهم المعاملة الحسنة، وإذا وقع الأسير في أيدي المسلمين سواء في ذلك العسكريون منهم أو المدنيون، فيجب عليهم عدم التعرض له بسوء، وتسليمه للجهات المسؤولة في الدولة لتقضي فيه بحكم الله، فإن خيف غدره أو رفض الانقياد جاز للمسلمين أن يجبروه على ذلك بوسيلة أو بأخرى حتى ولو أدى ذلك إلى قتله إذا عجزوا عن التمكن منه بغير القتل، وبذلك يكون الإسلام قد وضع آداباً إنسانية عادلة في حفظ الأسرى من كل سوء.
والحماقات التي يرتكبها أفراد الجيش والحكومات غير الإسلامية في العصر الحديث أو الذين ينتسبون إلى الإسلام ويدعون أنهم مسلمون والإسلام منهم براء، فهم يتفننون في إيقاع التعذيب بالأسير إشباعاً لشهوة الانتقام عندهم وتشفياً في أعدائهم، فهم ينتهكون حرمته ويهدرون كرامته ويقتلونه بعد تعذيبه، وليس عنا ببعيد ما فعله الإسرائيليون بقتل أسراهم من المصريين في حرب السويس في سنة 1956م، وما يفعلونه الآن في المأسورين من المدنيين وغيرهم في فلسطين، وما يفعله الآن تنظيم ما يسمى بداعش الإرهابي بالأسرى من تنكيل وتعذيب وتهديد وتقتيل بوسائل متعددة، من رمي بالنار وقتل بالسكاكين كما تقتل النعاج، وحرق وإشعال بالنار كما هو واقع الحال مع الأسير الأردني الطيار معاذ الكساسبة الذي أُحرق بالنار وأُشعلت به قبل أيام وهو في داخل زنزانته، وما هذه المعاملة البشعة إلا جريمة وعمل وحشي إرهابي شنيع ممن فقدوا صوابهم وتجردوا من إنسانيتهم وإيمانهم وإسلامهم، وقد أثبتت هذه المعاملة بأن فاعليها خوارج أعداء للإسلام والمسلمين.
والإسلام يربي أتباعه تربية خلقية نبيلة تجعلهم يتسابقون إلى حسن معاملة الأسرى، ذلك لأنها قربة إلى الله سبحانه وتعالى وتنفيذ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عندهم عقيدة يتعبدون بها، ويوصي الإسلام بعدم المعاملة بالمثل إذا كانت معاملة الأعداء للأسرى المسلمين لديهم سيئة، ذلك أن آداب الإسلام في هذا الصدد بالغة التفوق، فهي مغروسة في نفوس المسلمين قبل أن توضع في نصوص قانونية مكتوبة، في حين أن اتفاقيات لاهاي وجنيف الدولية عجزت عن حماية أسرى الحرب عند معاملتهم المعاملة السيئة أثناء الحرب العالمية الأولى التي امتدت من عام 1914م إلى عام 1918م، وكانت سبباً في التفكير في تقنين مسألة الأسر بكل جوانبها. ثم إن مشكلة الأسرى ومعاملتهم اتخذت طابعاً في غاية الأهمية خلال الحرب العالمية الثانية التي امتدت من عام 1939م إلى 1945م بسبب العدد الضخم للأسرى سواء من كان لدى قوات المحور الذي بلغ عددهم حوالي (1.400.000) جندي، أم لدى قوات الحلفاء والذين بلغ عددهم حوالي أربعة ملايين ألماني وثلاثة ملايين وثمانمائة ألف أسير لدى الاتحاد السوفيتي. وبسبب إساءة معاملة هؤلاء الأسرى والتلكؤ في إعادتهم إلى أوطانهم بعد انتهاء الحرب عام 1945م، تم التوقيع على اتفاقيات جنيف الأربعة في 12 أغسطس عام 1949م لحماية ضحايا الحرب أو المنازعات الدولية المسلحة. ومع أن هذه الاتفاقيات جاءت معبرة عن الفكر الغربي إزاء قانون الحرب إلا أنه قد شابها بعض القصور مما جعل الأمر يتطلب إعادة النظر في الاتفاقيات أو معالجة أوجه القصور فيها وتطويرها، حيث تحقق ذلك بإقرار بروتوكولين في جنيف عام 1977م، إضافة إلى اتفاقيات جنيف الأربعة السابق ذكرها.
وهكذا تظل القوانين الوضعية عرضة للإضافة والتعديل بحسب الظروف والأزمان والأهواء، لأنها من وضع البشر الذين تؤثر عليهم مختلف الأهواء والأغراض والعواطف، ذلك أن ما ورد في القانون الدولي لم يتعد كونه حبراً على ورق يفتقد المصداقية عند التطبيق، فإن ما نسمعه ونشاهده كل يوم مما تعرضه أجهزه التلفاز والمذياع، وما تنشره الصحف والمجلات في عالمنا المعاصر من المآسي والصور لأسرى الحروب ما تقشعر من هوله الأبدان، وقد شُوهتْ أبدانهم وقُطعت آذانهم وسُملتْ عيونهم وبُقرت بطونهم، وفُعل بهم الأعاجيب، مخالفة بذلك اتفاقيات لاهاي وجنيف وميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن وقواعد الآداب الإسلامية والإنسانية كلها.