فيما يلي نص كلمة سماحة مفتي عام المملكة الملقاة في افتتاح مؤتمر الإسلام ومحاربة الإرهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة..
صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة..
معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي..
معالي الشيخ أحمد محمد الطيب شيخ الأزهر الشريف..
أيها الأخوة الكرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشكر لله جلّ وعلا على فضله وامتنانه وعلى هذا اللقاء المبارك مع الأخوة الفضلاء في هذا المكان المبارك. والشكر لله جلّ وعلا على توفيقه وامتنانه.
والشكر لله على ما هيأه لنا من هذا المؤتمر المبارك فنشكر رابطة العالم الإسلامي على اختيار هذا الموضوع في هذا الوقت المناسب.
هذا موضوع مهم وهو من أعظم قضايا الساعة
هذا الموضوع الذي يجب أن يُتَصور ويوضع موضع الإسلام منه.
إن الأمة الآن بأمس الحاجة إلى تعاليم الإسلام وأخلاقه الفاضلة، فهو الذي ينقذها من ظلمات الجهل والضلال [اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ] -سورة البقرة من الآية 257-. إن رابطة العالم الإسلامي وهي تعقد هذا المؤتمر المهم لمكافحة الإرهاب ليدل دلالة واضحة على حرصها وعلى الإسهام في الذبّ عن هذه الأمة ودينها وعقيدتها.
إن هذا الإرهاب مشكلة عويصة فهي لم يتخذ صفة واحدة بل عمت جميع أرجاء البلاد وهو داء منتشر يجب أن يستأصل من أصله وأن يُقضى على جذوره وأن تجفّف منابعه لأنه شر وبلاء.
ودين الإسلام حقاً هو الذي يُخلصنا من المشاكل ويقضي على هذه الآراء الشاذّة والمواقف الخاطئة فإن دين الإسلام دين الفطرة والرحمة والرأفة والأمن والمحبة والسلام، حذّر الأمة مما يُسيء بهذه الصلة وحذرهم أيضاً مما يسبّب ترويع المسلمين وحذرهم من سفك الدماء البريئة بغير حق، فإن هذا من الأمور التي حرمها الله جلّ وعلا.
ودين الإسلام حرّم على المسلم قتل نفسه وجعل قتل النفس من كبائر الذنوب، قال جلّ وعلا [وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ] -سورة البقرة من الآية 195-، وقال جلّ وعلا [ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (30) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (31)] -سورة النساء-، وبيّن صلى الله عليه وسلم عاقبة الانتحار وعاقبته السيئة؛ فقال صلى الله عليه وسلم (منْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) -رواه البخاري ومسلم- إذا كان هذا فيمن قتل نفسه فكيف بقتل مسلم بغير حق، يقول الله جلّ وعلا: [ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)] -سورة النساء-، ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) -رواه البخاري-.
وإن الإسلام وضع حواجز لمحاربة هذه الجريمة؛ فأولاً حرّم على المسلم أن يُشير على أخيه بحديدة، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) -رواه مسلم-. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ( لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ) -رواه مسلم-، كل هذا حماية للمسلمين عن الجريمة وأسبابها الموصلة إليها.
أيها الأخوة
إن الإرهاب جريمة عالمية عمّ جميع البلاد الإسلامية وغيرها وإن الواجب مكافحته والتحذير منه وتصوير أخطائه وتحذير المسلمين منه والصراحة والوضوح في ذلك، ينبغي كشف الغطاء عن هذه المسائل لأن كثيراً من الناس انخدع واغترّ بأساليبهم الماكرة وألفاظهم السيئة التي يدّعون بها أنهم دولة إسلامية وأنهم مسلمون وواقع أمرهم وفعلهم وخفايا قلوبهم تدُلّ على براءة الإسلام منهم فإنه داء عُضال وبلاءٌ شديد.
أيها الإخوة
إن اجتماع المسلمين على هذا الموضوع العظيم ومحاربته والتضييق على أهله أمر مطلوب أمنياً وفكرياً، لأن هذا الموضوع إذا تُرك وشأنه فلا بد أن تنال الأمة شراً كثيرا والمسلمون هُم أولى الأمم بذلك. لا شك أن المنظمات الدولية تحارب الإرهاب؛ ولكن محاربة الإسلام له أعظم من غيره فإن محاربة بذوره وأصوله حيث تضع الحواجز دون قتل المسلم نفسه أو غيره وحرّم ذلك عليه مما يدُل على الاهتمام بهذا الشأن.
أيها الإخوة
إن المملكة العربية السعودية ونظراً لأن تعاليمها ومبادئها نابعة من تعاليم دينها وتحكيمها للشريعة والتحاكم إليها هي أَوْلَى الدول ومن أهم الدول لمكافحة الإرهاب والبراءة منه، ورابطة العالم الإسلامي ببياناتها المختلفة كُلها تندّد بهذه الأعمال الشنيعة وتبين خطرها وضررها.
وإن المملكة العربية السعودية أيضاً سلكت مسلكاً وسطياً منصفاً يتصف بالعدل والوضوح حينما تصدح لشباب المسلمين الذين اغتروا بهذه المبادئ أن يعودوا إلى رشدهم وأن يعودوا إلى بلادهم مطمئنين ومن خالف ذلك وقُبض عليه حوكم محاكمة شرعية عادلة لأن هذه البلد تُحَكِّم شرع الله في كُل شؤون حياتها فهذا الإرهاب وحكم القضاء عليه إذا تلوثت يده بدماء المسلمين وأصبح شراً على المسلمين فلا بد من التحاكم إلى المحاكم الشرعية لتبين هذا الخطأ.
إن هذه الظاهرة سيئة؛ إجرامية بلا شك وأنه لا يرضى بها أحد. وأن من تأمل حالهم ومسيرة أحوالهم وسفكهم للدماء وتفاخرهم بذلك وإحراق الأبرياء وقتل المأسورين ليعلم أنه جرم عظيم مُنافي لتعاليم الإسلام والله جلّ وعلا يقول لنبيه: [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)] -سورة الأنبياء-، فالنبي رحمة ودينه رحمة وشريعته رحمة، وهذه الجرائم بلاء ومصائب عظيمة ومؤامرات العالمية أحدثت بها في هذه الأمة لتضرب بعضها ببعض ولتقضي على كيان هذه الأمة فالواجب على الجميع النهوض بمسؤولية أعلى للقضاء على هذا الإرهاب من خلال وسائل الإعلام والخطباء وتعليم الجامعات والمدارس وغير ذلك نُحذر من هذه الجريمة ونبين خطرها وضررها وأن شرها لا يأتي على شيء مُعين بل هو شر مستطير وذنب عظيم.
نسأل الله أن يوفق خادم الحرمين لما يحبه ويرضاه وأنا يوفق ولي عهده وولي ولي عهده وأن يغفر لعبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين رحمه الله ويجزيه عن الإسلام والمسلمين خيراً وأن يجمع كلمة المسلمين على طاعته وأن يوحّد قلوبهم وأن يجمع كلمتهم ويكفيهم شرّ من أرادهم بشرٍ إنه على كُل شيء قدير.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد