أبداً لم يكن الأمر يبدو كأن هذا هو الحب..
لكنه الأول والأخير.
إنه لا يشبه الحب في شيء.
بل يشبه كل ما جاء معه من طفولتي كقدر ومصير.
ذاكرتي التي خانت.. ورحلت بعيدا ً.. لم تكن لي..
ولم تكن أنا... لأنها تجرأت وطمست من سنوات عمري الأولي أجمل ما فيها.
لم أتذكرك شاباً.. لكني تذكرتك وأنا أشيخ معك.
يال سعادة هذا العجوز الذي احتلني وسكنني..
بعد أن تذكر أن ماكان فيَ هو أنت ولم يكن أحد سواك.
لا أدري في أي سن كنت.
لكنها أنتي التي رأيتها بين الخامسة والرابعة..
وبدا لي أن الأمر لم يحدث مطلقاً.
كنت أنا من سقط وسال الدم من جبهته وأنفة.
وكان نساء أهلك من أسرع والتقطني من حيرة أمي وخوفها وهي تري دماء العزيز.
أذكر الآن أنهن سكبن على جرحي أجمل عطر سكن روحي.. وغاب فيما غاب..
ثم ها هو ذا يعود لشيخوختي بعد أن زال أثر الجرح وأندمل مع كل سنين عمري التي ضاعت سدى.
وفيما أنت تقفين بعيداً ترقبين مختبئة خلف ثوب إحداهن..
أعرف الآن فقط.. أنك من يشيخ معي.. هكذا يخيل لي الآن..
يخيل لي أنهن -نساء أهلك- عقدوك لأمي مع ضماد جرحي..
لتكون روحك بلسماً لكل الجراح التي سوف يمر العمر بها..
وكل الجراح التي مرت قربنا ولم يسكننا أي شيء منها لم يكن عمرنا موطناً للجراح لكن كان شاهداً عليها.
ليس الأمر أمرنا.. ولا يشبه الحب في شيء لكنه الأول والأخير.
كأننا لم نكن نحن.. إنما هو ذاك الدم الذي سال من جبهتي وانفي معبقاً بالعطر.. يحمل لي من العمر الذي مضي..
وعد العمر الذي سوف يأتي.
كان ذاك قدر الوحيد الذي يشيخ بك.. بعد أن أمتلك كل أحلام الدنيا..
ومضي دون أن يطمح لأن يأخذ منها أي شيء.. أي شيء سوي وعد ببهجة الأيام القادمة.
- عبدالله باخشوين