كثيرون هم الذين كتبوا عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. غير أن لديّ اعتقاداً لا يزال راسخا ً في كون العظماء عظماء من أي جهة أردت الحديث عنهم وتبقى الكتب المنشورة عنهم مجرد صور التقطت عن جوانب متعددة، وزوايا مختلفة كما تبقى بمجموعها تحاول رسم الصورة الحقيقة.. غير أنها تبقى قاصرة عن ذلك، لأن كثرة الصور وتعدد موقع التقاطها لا تعطي الأبعاد الحقيقة حتى ولو جمعت تبقى صورا مسطحة لا تستطيع أن تنظم الانسجام بصورته المتكاملة.
والملك عبدالله بن عبدالعزيز شخصية آسره وهي لم تُولَ الدارسة الكافية التي تجعلها امتزاجا ً بين عدة معطيات فكرية وإنسانيه، وعالمية، وظرفيه.
إن عنصري الزمان والمكان وتفاعلها بالحركة التي يعد الإنسان جزءا منها هي التي تعطي الحوادث أشكالها المشاهدة، وحين يغفل الدارس شيئا ً من هذا تأتي الدراسة ناقصة.
من هنا تأتي أهمية دراسة شخصية الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ لأن العظماء في الأمة لا يمثلون مجرد صور نعلقها مذيلة بقصائد المديح، والثناء بل هم نماذج تحتذى ولكي يكون ذلك لا بد من معرفة أسباب نجاحها ليسهل تمثلها، أو الاسترشاد بها.
وحين يصف أحدهم الملك عبدالعزيز - رحمه الله -قائلا ً: الأعجب في أمر هذا الرجل أنه لا يحمل في جسمه تاريخ فرد هو شخصه، وإنما في هذا الجسم قطعة واسعة من الدنيا، يحدها البحر الأحمر غربا ً، والخليج شرقا ً، والعراق والأردن شمالا ً واليمن جنوباً.. إنه يحمل في هذا الجسم تاريخ هذه المساحة الشاسعة في الأرض هذه المساحة التي تبعد كل واحدة عن الأخرى مسير ثلاث ساعات بالطائرة إنه يحمل تاريخ مليون وستمئة ألف كيلو متر مربع من الأرض، ويحمل تاريخ الملايين التي تعيش فوقها.
وأجد أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو من يجسد هذه الصفات بعد والده ويحمل ذلك بكل إنسانية متناهية.
إنها ثنائية الأرض والإنسان.. والملك عبدالله يحمل هذه الثنائية بكل معانيها فهو يحمل في قلبه الجزيرة وإنسان الجزيرة كما يحمل همَّ أمته العربية والإسلامية وهو بالتالي يحمل عالمية الإنسان على هذا الكوكب أياً كان لونه وجنسه ودينه. وذلك الامتثال الأسمى لمبادئ الإسلام الخالدة التي نزلت تعاليمه على هذه الأمة منذ قرون.
الحب الذي يحمله الملك عبدالله بن عبدالعزيز للأرض والإنسان استطاع أن يستخرج من الصحراء أسرارها الخضراء وأثقالها المغرقة خيرا ونماء وتنمية ً قلَّ نظيرها وتجلىَّ ذلك في ازدهار الاقتصاد حدا ً لم يبلغه في أي حقبة من الحقب، كما تجلى في افتتاح الجامعات التي زادت عن ثلاثين جامعة في أرجاء الوطن.. تحول بعضها إلى مراكز علمية وأبحاث لتطوير المجتمع في جميع الميادين.
وقد قوبل حب الملك لرعيته بحب مماثل. فهو تقيٌ كلُّ التقى، إنسانيٌ صريحٌ حازم متواضع.. ولا أعلم أن في العالم حاكماً غيره تتحدث معه رعيته بمثل الحرية التي تتحدث بها مع الملك عبدالله إلى جانب ما تكن له من محبة وإخلاص كبيرين.
الملك عبدالله الرجل الاستثناء.
مثلت شخصية الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمرا ً استثنائيا ًكما أن نهجه وإنجازاته أذهلت الكثيرين كل هذا جعل العديد من الكتاب والصحفيين، وكبار السياسيين يقفون أمام سيرته بكثير من الإعجاب، بل إن بعضهم قطع المسافات الطويله ليجتمع به ويلقَـاه فهو واحد من كنوز وأسرار الوقت، والناس عادة تستهويهم الأسرار المودعة في مكامن عاليه وبعيدة لا تطالها الأيدي.
إن هذه الشخصية استطاعت أن تستوعب الواقع بكل ما فيه، وأن تتسع للأخلاق مهما كان تنوعها فتحولها إلى محبة وإعجاب ثم تنظمها في سِمْطِ البناء والوفاء وفي اطراد واسع بلغ مداه في فتح أبواب الحوار في داخل الوطن بين فئات الشعب المثقفة وغيرها من الجهات الرسمية في الدولة وهو نهج لم يسبق إليه من قبل. ثم توج ذلك في إقامة الحوار بين مختلف الحضارات واصحاب الأديان في تظاهرة عالمية نادرة خلت من كل أجواء السياسة والتسييس. وإنما كانت فكرا وضاءً تُدار عناصُره في الأروقة العالمية فأيٌ فضل أكبر من ذلك وأية عالمية هي أجل وأسمى.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومشروعه الحضاري (في حوار الحضارات).
بدأ الملك عبدالله مشروعه الحضاري وهو يحمل بين جنبيه معالم هوية الإسلام والعالم الإسلامي والعربي، ومعالم هوية المملكة العربية السعودية التي يريد أن يعرفها منظرو ومفكرو العالم بكل أطيافه وأجناسه وتعدد حضاراته، ليواصل ما انقطع منذ قرون وأن يجدد ويجسد تلك التفاعلات مع الزمن والعصر ومعطياته، ومتطلباته، وهي تحديات كبرى تتطلب المزيد من الجهد والتفكير والتنظير. ومشروع كبير في هذا الحجم بحاجة إلى رجل عظيم يحمل هذا الدور الحضاري.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
لقد كانت رؤية الملك عبدالله مبنيه على الحق وعلى مقررات الإسلام تشريعا ومنهاجا، ويظهر ذلك في العملية الحضارية التي تبناها إذ إن المسار الحضاري يتطلب مشروعا يتبناه الجميع لا تجر فيه الأمم بحبال نخب فاسدة مستهترة إلى مآلات ومنزلقات خطيرة ودمار أكيد، بعيدة عن الإكراه والتضليل، إذ لا مجال أبدا ً للحديث عن مسار حضاري أو حالة حضارية مع وجود التضليل والقهر.. لذلك يؤكد كل من تناول الحديث عن شخصية الملك عبدالله أنه يمثل حالة حضارية عالمية، اختار لنفسه مساراً قائماً على الهدى والبينة، وقام بحشد أمته في هذا المسار بالحكمة، والبيان، والإقناع، لا بالتضليل والقمع والإكراه، فبايعته رائداً حضارياً عالمياً كما بايعته ملكاً على أقدس البقاع وأحبها إلى الله.
والملك عبدالله خلق ليكون زعيما لذلك لا عجب أن تَتَيسَّر له المهامُ التي تصعب على غيره أو تستحيل ولهذا فإن رجل السلام، وحامل لوائه هو من ستنقادُ إليه أغصانُ السلام وحمائمُه. وجوائزهُ طائعة. فلم تكن تصلح إلا له ولم يكن يصلح إلا لها رحمه الله، وجعل الخير في خلفه.