ودَّعت بريدة شيخنا الفاضل سليمان بن عبد الله الزويّد في مساء يوم الأربعاء الموافق الثاني والعشرين من الشهر الرابع، سنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة، عن عُمر يُناهز الستة والسبعين عاماًَ.
عُرِف أنَّه حفظ القرآن الكريم وعُمره عشر سنوات، وأنّه أمّ ثلاثة مساجد من مساجد بريدة لأكثر من ثمانية وأربعين عاماً في مسجد الصائغ الواقع على شارع الصناعة، ومسجد التويجري الواقع على شارع الأمير عبد الإله بن عبد العزيز، ومسجد أبي بكر الصديق الواقع على طريق الملك عبد الله بن عبد العزيز.
فالذين عاصروه من جماعة المساجد الثلاثة وجدوا فيه نِعم الإمام الذي يحضر إلى المسجد قبل رفع الأذان مُتوسطاً الروضة، ومُبتدئاً تحية المسجد، وتلاوة آيات من القرآن الكريم، وقراءة الأوراد بعد السنّة الراتبة إلى ساعة الإقامة ؛ لأداء الصلاة، ويواصل البقاء في روضة المسجد ذاكِراً، ومُسبحاً، ومُستغفراً الله، ومُتدبراً آيات من القرآن الكريم إلى أن يذهب بعد صلاتي العصر والمغرب، لاستراحة المسجد التي خصَّص بها جلستين ؛ لرقية الرجال، والنساء من الذين يحضرون من داخل أحياء بريدة، وأحياء مُحافظات المنطقة، ومراكزها، منهم من جاء يشتكي مرضاً عَجِز عنه الأطباء، إلاَّ أنّ إلحاحه إلى الله، وصدق اعتقاده خفَّف عليهم شيئاً من أمراضهم، وقويت عزيمتهم على تحمّلها، والصبر على آلامها، ومنهم من نفع الله به من دعائه المأثور، وشُفي، فجعل الله له ذِكراً طيّباً في ألسنة الذين حضروا رقيته، واستفادوا منها ؛ لإيمانه، وزهده، وورعه الذي طغى على كثيرٍ من مناحي حياته.
فالمتابع لحياة الزويّد يجدها حافلة في مُلازمة روضة المسجد، قارئاً، وساجداً، وداعياً. وجامعاًَ أكثر صفات الزهَّاد من الذين زهدوا في أكثر ملذّات الحياة، مُواظباً على أداء الصلاة إماماً دون أخذ إجازة لأكثر من ثمانية وأربعين عاماً ؛ إلاَّ لأداء الحج، والعمرة.
عُرِف الزويّد أنّه في صلاتي التراويح، والتهجّد، في شهر رمضان الكريم كثرة المصلين الذين امتلأ بهم صحن المسجد، وسرحته، وصبحه، وجنباته، ومواقفه، وطرقه. فالذي لا يحضر من بعد الإفطار لا يجد مكاناً داخل المسجد ؛ لكثرة الذين يحرصون على أداء صلاتي التراويح، والتهجّد، والأكثر حرصاً ليلة ختم القرآن الكريم الذي يُؤديها بخشوعٍ لا يستطيع مُواصلة الدعاء من كثرة البكاء ؛ إلاَّ بعد سكوت من خلفه من المصلين الذين شدَّهم دعاء الختمة من رحمة الله التي أعدَّها لعباده المؤمنين... إلى أن أُصيب شيخنا بمرض مُزمن حبيساً في منزلهِ، حابساً نفسه عن الجزع، والسخط، ولسانه عن الشكوى، وجوارحه عمّا يُنافي الصبر ؛ لإيمانه أنّ البشرى من الله للصابرين الذين لهم عقب الدار، وأوفى الأجر بغير حساب، ويقينه أن من صبر على المرض المُقدَّر عليه من رب أرحم من نفسه، ومن الناس أجمعين. وإن المرض رافع منزلته، ومُكفر لسيئاته، ومحط لخطاياه، وأن ّالجزع لا يزيده إلاَّ إثماً، وهماً، وآلاماً. وأن الدنيا ابتلاء، وحياة ليست دائمة، إلى أن فاضت روحه الطَّاهرة وأدّى الصلاة على جنازته جمعٌ من المصلين، يتقدّمهم سمو أمير منطقة القصيم.
رحم الله فقيدنا فقيد روضة المسجد، ومحرابه.
رحم الله من خفَّف آلام المصابين بدعاء رقيته الشرعيَّة.
رحم الله من أبقى ذِكراً طيّباً في ألسنة من أبكاهم حياً وميتاً.
وعزاؤنا لأفراد أسرته، وجيرانه، وجماعة مسجده.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
أحمد المنصور - بريدة - نادي القصيم الأدبي