إنه من الرائع جداً التظاهرة التاريخية التي ستعقدها دارة الملك عبدالعزيز، المتمثلة في الندوة العلمية عن تاريخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - من 23 / 25-4-1436هـ، التي تأتي في إطار ندواتها الملكية التي تقيمها الدارة عن ملوك المملكة العربية السعودية؛ إذ تسلط الضوء فيها على العطاءات الوطنية النضالية الشامخة التي جسدها الراحل فهد بن عبدالعزيز خلال فترة حكمه على امتداد أكثر من عقدين، شكلت بما حملته قفزات تنموية وتحولات اقتصادية وسياسية ونهضة تعليمية وصحية وإعلامية وثقافية، أبرزت ملامح الحاضر المترف بالإنجاز.
منذ أن خاطب الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - شعبه النبيل برؤيته الخاصة تجاه المواطن في هذا الوطن بعد تسلمه مقاليد الحكم في 21 شعبان 1402هـ،الموافق 13 يونيو 1982م، حين قال: «إنني أشعر بعظم المسؤولية وثقل الأمانة التي شاء الله سبحانه وتعالى أن أحملها راجياً منه جل وعلا أن يعينني على حملها. وإنني أعاهد الله ثم أعاهدكم بأن أكرس كل جهودي ووقتي من أجل العمل على راحتكم وتوفير الأمن والاستقرار لهذا البلد العزيز، وأن أكون منكم، يؤلمني ما يؤلمكم، ويسرني ما يسركم»، وحتى وفاته - رحمه الله - في 26 جمادى الآخرة عام 1426هـ، الموافق 1 أغسطس 2005م، كانت الاحتياجات المطلوبة أثناءه تؤدَّى بمثالية إلى أن تكاملت مشبعة حياة الإنسان السعودي من جميع جوانبها، وهذه عملية خلاّقة حققتها استجابة فريدة ونادرة للتحديات التي واجهها الملك فهد نظير الصفات التي اكتسبها من والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - من فكره النير، وذكائه الفطري، ومضاء عزيمته، وخبرته الطويلة، وتجربته الغنية، وتعدد مواهبه، وتنوع قدراته، ومثابرته على العمل.. مكنته سعة اطلاعه، وشمولية معرفته، وأحاطته بأحوال الدنيا، وطبيعة المتغيرات، وبواعث الصراعات، مكنته من فهم الدوافع والأسباب وحقيقة المآرب والأهداف، وكشف ما تضمره النفوس الخبيثة، بيد أنه - وهو المؤمن الصادق، والحريص على استمرار دوران عجلة تطوير بلاده، وتضامن أمته العربية، ومصلحة المسلمين، والوفاق الدولي، والسلام العالمي - حارب الأطماع، وتألم من الظلم والطغيان، ووقف مناصراً للعدل، ومعيناً للمحتاج، ويكفيه في مجال السياسة الخارجية أنه بقدرته الفائقة على التشخيص وجد أنجع علاج لأكثر قضايا العصر تعقيداً، وأشدها توتراً، حينما اتخذ قراره الذي أنقذ المنطقة من الشتات، ودفع عنها الشرور، وأعاد الحق لأصحابها.
الأربعة والعشرون عاماً التي تولاها الملك فهد، وإن كنا لا نستطيع إغفال أهمية الزمن، فقياساً إلى ما تحقق خلالها نجدها حافلة بمنجزات قرن؛ فقد أولى بناء الوطن وترسيخ أسس النماء غاية عنايته، ووضع لتحقيق هذا الهدف جل جهده واهتمامه.. انطلقت التنمية الشاملة إلى الآفاق البعيدة المرسومة من فوق مرتكزات ثابتة من الإيمان والعلم، ومن التخطيط والتبصر السليم، فدفع - رحمه الله - عجلة التعليم في المملكة منذ شرفت وزارة المعارف بقيادته الفذة، وذلك على هدي من الشريعة الإسلامية الغراء والسنة النبوية المطهرة، وحسب آخر ما تفتقت عنه الذهنية البشرية من فتوحات في شتى العلوم والمعارف والآداب، وبما يتماشى مع الثوابت، فأمر - رحمه الله - بإقامة الجامعات والمعاهد المتخصصة والمراكز الثقافية في داخل الوطن وخارجه. ولم يدخر الوطن وسعاً بقيادته التاريخية - يرحمه الله - ؛ إذ بذل إمكاناته كافة في الوفاء بالأمانة وحمل المسؤولية في خدمة حجاج بيت الله الحرام عن طريق توسعة الحرمين الشريفين، كما حرص - رحمه الله - شخصياً على توفير الأمن والصحة والطمأنينة للحجاج، وتيسير أدائهم لمناسكهم عن طريق جعل سبل الراحة والتنقل ميسوراً تقديراً لازدياد أعدادهم عاماً بعد عام، حتى أصبح المسجد الحرام يستوعب أكثر من مليون مصلٍّ، ونحو المليون مصلٍّ بالنسبة للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، ناهيك عما تفيأ ظلاله الوافدون إليها من أمن وأمان وراحة واستقرار.. ويذكر - رحمه الله - في كل مناسبة أن: «عمارة الحرمين الشريفين ورعايتهما هما من أحب الأمور وأشرف الأعمال إلى نفسه». كما امتدت رعايته الكريمة فشملت بناء المساجد والمراكز الإسلامية في شتى أصقاع الأرض، ولم يكد تمر أيام إلا ويُنشأ مركز هنا ومسجد هناك في أرجاء المعمورة على نفقته الخاصة.
وفي عهده - رحمه الله - صدرت الأوامر الملكية الكريمة بالنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، ثم نظام مجلس الوزراء، ونظام الوزراء وما تبعها من تطوير وإتاحة الفرص كافة لمشاركة الكفاءات الوطنية في كل مجال لخدمة وطنهم؛ وذلك تتويجاً للإنجازات المبهرة التي تحققت على يديه - يرحمه الله - في مجال التعليم بكل مستوياته، وبالأخص أمره الكريم والواعي بتوسيع البعثات الدراسية إلى الخارج وعلى نفقة الدولة.
ولقد جاءت الأنظمة الآنفة الذكر مع ترسيخ الممارسة الثابتة والتقليد الأصيل لسياسة «الباب المفتوح» التي انتهجها أبناء الملك عبدالعزيز على خطى الوالد المؤسس لترسم طريق الوطن الفتي وتقوية انطلاقته حتى دخل القرن الواحد والعشرين بعزم وثبات.
وتبقى الإشارة أخيراً إلى أن واحداً من أهم الإنجازات أن كل ما يجري على أرض الوطن قد وضع له كل ضمانات الاستقرار والبقاء، وبسطت أمامه كل سبل التطور والنماء، وعززت من أجله قوى الأمن والدفاع، يصون هذا كله توجه إسلامي شمولي يقوم على الحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة وترسيخها، وعلى خدمة كل قضايا الإسلام والمسلمين، فيما يعطي سمواً روحانياً لجسد البناء الحضاري، وأن الوطن بدوره الفاعل في قضايا الإنسان، وسط منظومة المجتمع الدولي، بدءاً من مواقفه المشرفة في إعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وانتهاء بانتصارها لقضايا الحق والعدل وما تبوأته في ذلك من مكانة قد أعطت لمعطيات وجودها في التنمية ولإرادة المواطن السعودي وإصراره على الفعل والبذل والتميز احتراماً وتقديراً يستمدان ركيزتيهما من احترام وتقدير المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة تحت رعايته - رحمه الله - وإخوانه البررة.
لقد صدق رئيس اللجنة العليا لندوة وفعاليات تاريخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز حينما قال: «إن منجزات الملك فهد - رحمه الله - وملوك المملكة العربية السعودية جميعهم ليست مفخرة لأبنائهم وأحفادهم فقط بل هي مفخرة للمواطنين الذين عملوا وأخلصوا العمل في بناء وتنمية السعودية، كل من موقعه سواء، والنمو ومشاريع التنمية التي تشهدها محصلة جهوده».
أسأل الله تعالى للملك فهد بن عبدالعزيز الرحمة والمغفرة، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لدينه ووطنه وشعبه.
- مدير الإعلام التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة وادي الدواسر