قال تعالى في سورة طه: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (29-32) سورة طه. صدق الله العظيم.
وقد اخُتُلف في معنى الوزارة على ثلاثة أوجه كما قال الماوردي، فأولها أن كلمة الوزير مأخوذة من الوِزْر وهو الثقل، لأن الوزير يحمل عن الملك أثقاله. وثانيها أنه مشتق من الأزر أي الظهر، لأن الملك يقوى بوزيره كما يقوى البدن بالظهر. وثالثها أنه مشتق من الوَزَر وهو الملجأ كما بقوله تعالى: {كَلَّا لَا وَزَرَ}، لأن الملك يلجأ إلى رأي الوزير ومشورته.
وفي الأنظمة السعودية لم يرد تعريف محدد للوزير، إلا أنه باستقراء الواقع فإن الوزير هو من يتم تعيينه بموجب أمر ملكي وزيراً لإحدى الوزارات بمرتبة وزير، أي أنه يحمل حقيبة وزارية ويكون مسؤولاً عن هذه الوزارة، والوزير هو الرئيس المباشر والمرجع النهائي لشؤون وزارته وقد نص النظام على أن الوزير يمارس أعماله وفق أحكام نظام مجلس الوزراء والأنظمة واللوائح الأخرى وهذا تأكيد من المُنظّم على مبدأ المشروعية، وهذا النوع من الوزراء أسماهم النظام بالوزراء العاملين، لأنه في المقابل يوجد نوع آخر من الوزراء وهم وزراء الدولة والذي يُعيَّنون كذلك بأمر ملكي بمرتبة وزير.
هذا وقد صدر نظام مجلس الوزراء بالأمر الملكي الكريم رقم أ - 13 في تاريخ - 3 ربيع أول 1414 هـ ويكون مجلس الوزراء بهذا النظام قد دخل مرحلته الرابعة، إذ أن هذا النظام هو رابع نظام يصدر لمجلس الوزراء.
وقد جاء نظام مجلس الوزراء مكوناً من اثنين وثلاثين مادة، أوضحت أحكاماً عامة، ثم أبانت تشكيل المجلس، وأوضحت بعد هذا اختصاصات مجلس الوزراء، ثم جاءت بالشؤون التنظيمية، فالشؤون التنفيذية، انتهاءاً بالشؤون المالية، ثم تطرقت بعد هذا إلى رئاسة مجلس الوزراء، وانتهت بالتشكيلات الإدارية لمجلس الوزراء. كما يوجد في النظام الأساسي للحكم بعض المواد التي تنظم بعض الأمور المتعلقة بمجلس الوزراء ولعل هذا يُعزى إلى أهمية مجلس الوزراء وحساسيته.
وقد أوضح نظام مجلس الوزراء أن مجلس الوزراء هيئة نظامية يرأسها الملك، وقد جاء في النظام الأساسي للحكم في المادة الرابعة والأربعون أن الملك هو مرجع سلطات الدولة الثلاث، التنظيمية والتنفيذية والقضائية، ويجد هذا التنظيم أساسه في الفقه الإسلامي حيث أن الولاية في الدولة الإسلامية ولاية عامة إذ إن ولي الأمر مسؤول عن حراسة الدين وسياسة الدنيا بما يحفظ أمن الناس ويحقق مصالحهم، ولذا أصبح الملك مرجع السلطات الثلاث تحقيقاً للمنهج الإسلامي، ولأجل هذا فقد جاء في المادة السادسة والخمسين من النظام الأساسي للحكم ما ينص صراحة على أن الملك هو رئيس مجلس الوزراء.
وقد نص نظام مجلس الوزراء على أن مقر مجلس الوزراء مدينة الرياض ويجوز عقد جلساته في جهة أخرى من المملكة، أما تحديد المقر بمدينة الرياض فهو أمر طبيعي كون مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ومقر إقامة الملك الذي يرأس المجلس ونواب رئيس المجلس والوزراء الذين تتواجد الوزارات التي يحملون حقائبها في العاصمة، وأما الاستثناء الوارد بجواز عقد جلسات المجلس في جهة أخرى من المملكة - غير الرياض - فهو استثناء يفرضه مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واضطراد، ويفرضه كذلك طبيعة الواقع العملي حيث جرت العادة على أن تنتقل الدولة سنوياً إلى المنطقة الغربية للمملكة قبيل بدء موسم العمرة والحج للقيام بكافة الاستعدادات والتجهيزات اللازمة لهذه الشعائر الدينية، والإشراف المباشر على خدمة ضيوف الرحمن من المعتمرين والحجاج، أو قد تنتقل الدولة لأي جهة أخرى في المملكة لأي سبب كان، فعند وقوع مثل هذه الفروض أوغيرها فإنه من غير المنطقي أن تتوقف جلسات مجلس الوزراء ولذا كان الاستثناء الوارد في النظام بجواز عقد جلسات المجلس في أي جهة أخرى استثناءً يفرضه الواقع والمنطق.
ومجلس الوزراء يرسم السياسة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية وجميع الشؤون العامة للدولة ويُشرف على تنفيذها، وينظر في قرارات مجلس الشورى وله السلطة التنفيذية وهو المرجع للشؤون المالية والإدارية في سائر الوزارات والأجهزة الحكومية الأُخرى، ويؤخذ بعين الاعتبار أن هذا كله يكون مع مُراعاة ما ورد في النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى. ومن هذا يُفهم أن مجلس الوزراء له ثلاثة شؤون أساسية يتولاها هي الشؤون التنظيمية والشؤون التنفيذية والشؤون المالية.
وقد أبان النظام الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس الوزراء حيث حصرها بثلاثة شروط وهي أن يكون سعودياً بالأصل والمنشأ، وأن يكون من المشهود لهم بالصلاح والكفاية، وأن لا يكون محكوماً عليه بجريمة مخلة بالدين والشرف، كما أن أعضاء مجلس الوزراء لا يباشرون أعمالهم بمجرد صدور أمر التعيين، إذ أوضح النظام بنص صريح أن أعضاء مجلس الوزراء لا يباشرون أعمالهم إلا بعد أداء اليمين، ولم يبيّن النظام الهدف من وراء فرض اليمين أو ما يسمى القسم، إلا أنه أمر محمود لدولة مسلمة حيث يعد هذا القسم التزاماً بذمة القاسم أمام الله سبحانه وتعالى يُحاسب عنه إن قصّر به أو أوفى، وعليه يضع الوزير مخافة الله بين عينيه في أداء الأمانة التي كُلِّف بها. ولم ينص نظام مجلس الوزراء كذلك على أن أداء القسم يكون أمام جلالة الملك، غير أن أداء القسم أمام جلالة الملك هو ما جرى عليه العرف الدستوري، إلا أنه في نظام مجلس الشورى نصت المادة الحادية عشر على أن رئيس مجلس الشورى وأعضاء المجلس والأمين العام يؤدون القسم أمام الملك قبل مباشرة أعمالهم، وعلى هذا النص القانوني الوارد بنظام مجلس الشورى يمكن إيقاع القياس بخصوص قَسَم أعضاء مجلس الوزراء، غير أنني لا أعلم -بحسب قاصر علمي- لماذا تم تحديد أداء القسم بالنسبة لمجلس الشورى أمام جلالة الملك ولم يتم هذا التحديد بالنسبة لمجلس الوزراء بالرغم من أن مجلس الوزراء لا يقل أهمية عن مجلس الشورى بل هو أعلى منه سلطةً وأوسع صلاحية، ولعل المنظم الكريم يتنبه لهذا في حال أن تم التعديل على النظام مستقبلاً.
ونظراً لحساسية منصب الوزير ولحجم الأعباء التي تقع على كاهله وللطبيعة الخاصة لعمله فقد أوضح النظام أن أعضاء مجلس الوزراء يُحاكمون عن المخالفات التي يرتكبونها في أعمالهم الرسمية بموجب نظام خاص يتضمن بيان المخالفات وتحديد إجراءات الاتهام والمحاكمة وكيفية تأليف هيئة المحكمة، وبالفعل فهناك نظام قد صدر بمسمى نظام محاكمة الوزراء ولا يزال هذا النظام سارياً، ويقوم هذا النظام ببيان الجرائم التي تستدعي محاكمة الوزراء وتحديد عقوباتها، وأحكام التحقيق والإحالة، وهيئة المحاكمة وإجراءاتها، والطعن في الحكم وتنزيل العقوبة والعفو.
ولقد حظر نظام مجلس الوزراء أن يجمع الوزير بين عضوية مجلس الوزراء وأية وظيفة حكومية أخرى، وهذا الحظر فيه تأكيد صريح من المنظّم على مبدأ أصيل في القانون الإداري وهو مبدأ عدم جواز الجمع بين وظيفتين، وقد ورد ذلك في نظام الخدمة المدنية الصادر عام 1397 هـ في المادة الثالثة والثلاثين والتي نصت على أنه لا يجوز تعيين الموظف على أكثر من وظيفة واحدة، وإذا كان هذا في حق عموم الموظفين العامين فإنه وبلا شك في حق الوزراء أولى لحساسية أعمالهم ولحجم الأعمال والأعباء الملقاة على عواتقهم والتي تتطلب التفرغ لها، لكن نظام مجلس الوزراء نص في ذات المادة على جواز الاستثناء من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس الوزراء وأي وظيفة حكومية أخرى وجعلها سلطةً تقديرية لرئيس مجلس الوزراء إذا رأى أن الضرورة تدعو لذلك. كما قد حظر النظام على عضو مجلس الوزراء أثناء توليه العضوية أن يقوم بالشراء أو الاستئجار المباشر أو بالواسطة أو بالمزاد العلني أياً كان من أملاك الدولة، وحظر عليه بيع أو إيجار أي شيء من أملاكه للحكومة، وحظر عليه كذلك مزاولة أي عمل تجاري أو مالي أو قبول عضوية مجالس إدارة أي شركة، وكل هذا مرده المحافظة على نزاهة الوزير وحياده وتفرغه للمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه.
أما اجتماعات مجلس الوزراء فتُعقد برئاسة الملك الذي يعتبر رئيس مجلس الوزراء، أو برئاسة أحد نوابه حيث أن لرئيس المجلس نائباً أول ونائباً ثاني، لكن قرارات مجلس الوزراء لا تصبح نهائية بحسب نص النظام إلا بعد موافقة الملك عليها، ويُفهم من هذا النص أنه في حالة عدم رئاسة الملك للمجلس وكانت رئاسة الجلسة للنائب الأول أو النائب الثاني فإن القرارات الصادرة في هذه الجلسة يجب أن تُعرض على الملك ويوافق عليها لتصبح نهائية.
والملك بوصفه رئيس مجلس الوزراء هو الذي يُوجه السياسة العامة للدولة ويكفل التوجيه والتنسيق والتعاون بين مُختلف الأجهزة الحكومية ويضمن الانسجام والاستمرار والوحدة في أعمال مجلِس الوزراء. وله الإشراف على مجلس الوزراء والوزارات والأجهزة الحكومية، وله دور رقابي فهو الذي يُراقب تنفيذ الأنظمة واللوائح والقرارات بحسب نص النظام.
وعلى جميع الوزارات والأجهزة الحكومية الأُخرى أن ترفع إلى رئيس مجلِس الوزراء خلال تسعين يوماً من بداية كُل سنة مالية تقريراً عما حققته من إنجازات مقارنة بما ورد في الخطة العامة للتنمية خلال السنة المالية المُنقضية، وما واجهها من صعوبات وما تراه من مُقترحات لحسن سير العمل فيها.
أما ما يخص تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء وإعفائهم من مناصبهم وقبول استقالاتهم فقد نص النظام على أن الأداة التنظيمية لهذا هي الأمر الملكي، حيث جاء في المادة السابعة والخمسين من النظام الأساسي للحكم أن الملك يُعين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الأعضاء بمجلس الوزراء ويعفيهم بأمر ملكي. ويُعتبر نواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء الأعضاء بمجلس الوزراء، مسؤولين بالتضامن أمام الملك عن تطبيق الشريعة الإسلامية، والأنظمة، والسياسة العامة للدولة، وهذا تأكيد من المنظم على الهوية الإسلامية للدولة، ويُعتبر الوزراء ورؤساء المصالح المستقلة مسؤولين أمام رئيس مجلس الوزراء عن الوزارات والمصالح التي يرأسونها لأنه مرجعهم الأعلى ورئيسهم المباشر، كما أن للملك أن يحل مجلس الوزراء ويعيد تكوينه بأمر ملكي. والأمر الملكي أقوى الأدوات التنظيمية التي يعبر فيها الملك عن إرادته على الإطلاق، وهو أسمى قرار يُصدره الملك ويُعتبر تعبيراً صريحاً عن إرادته المباشرة، ولا يجوز الطعن بالأمر الملكي بتاتاً أمام أي جهة قضائية لأن الأمر الملكي عمل من أعمال السيادة التي تتحصن من أية طعون.
وقد بيّن نظام مجلس الوزراء أن مدة مجلس الوزراء لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها إعادة تشكيله بأمر ملكي وفي حالة انتهاء المدة قبل إعادة تشكيله يستمر في أداء عمله حتى إعادة التشكيل، ويتبادر للذهن هنا تساؤل حول سبب اختيار المنظم لكلمة (خلالها) في قوله (مدة مجلس الوزراء لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها إعادة تشكيله بأمر ملكي)، لأن كلمة (خلال) تعني في اللغة (أثناء) والذي أظنه أقرب للصواب أن إعادة تشكيل المجلس لا تكون خلال الأربع سنوات وإنما بعدها، لأن إعادة التشكيل يكون بعد انتهاء الدورة، أما ما يكون خلال مدة الدورة فقد يكون أقرب للحل منه لإعادة التشكيل، لكن مثل هذه المسألة قد تحتاج لخبير لغوي كي يقطع فيها. وبرجوعي إلى نصوص الأوامر الملكية الكريمة التي قضت سابقاً بإعادة تشكيل مجلس الوزراء تبيّن لي أن إعادة تشكيل مجلس الوزراء لا يعني بالضرورة أن يتم تغيير أعضاء المجلس وتعيين أعضاء جدد، فقد تم إعادة تشكيله سابقاً مع استمرار جميع أعضائه، وقد يتم إعادة تشكيله بتغيير جميع الأعضاء، وقد يتم إعادة تشكيله بتغيير بعض الأعضاء واستمرار البعض الآخر، وسَنَدي في هذا القول نص الأمر الملكي الكريم رقم أ / 29 والذي أمره خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 3-3-1428 هـ والذي ورد فيه نصاً: (أولاً: إعادة تشكيل مجلس الوزراء برئاستنا مع استمرار جميع أعضاء المجلس الحاليين في مناصبهم. ثانياً: يعمل بهذا الأمر من تاريخه وعلى الجهات المختصة اعتماده وتنفيذه.). فهذا أمر واضح ويحمل نصاً صريحاً بإعادة تشكيل مجلس الوزراء مع استمرار جميع أعضاء المجلس الحاليين في مناصبهم، ومن هذا الأمر قلت ما قلته بأن إعادة تشكيل مجلس الوزراء لا يعني بالضرورة تغيير أعضاء المجلس، وإنما من الممكن أن يُعاد تشكيله مع استمرار جميع الأعضاء أو بعضهم في مناصبهم، لكنه يجب التنبيه على أن الملك له الحق المطلق بأن يعفي أحد الوزراء أعضاء المجلس ويُعيِّن بدلاً منه وزيراً آخر وبالتالي فإن هذا الوزير الجديد يكون تلقائياً عضواً في مجلس الوزراء في حال أن كان وزيراً عاملاً، وإن كان وزير دولة ونص أمر تعيينه على اعتباره عضواً في مجلس الوزراء فإنه يكون كذلك، دون التقيّد بوقت إعادة تشكيل مجلس الوزراء.
وقد جعل النظام حق حضور اجتماعات مجلس الوزراء خاصاً بأعضاء المجلس فقط، وبالأمين العام لمجلس الوزراء برغم أنه ليس عضواً في المجلس ولذا فإنه لا يملك حق التصويت، غير أنه استثناءً على هذا الأصل يجوز بناءً على طلب رئيس المجلس أو بناءً على طلب أحد أعضائه وبعد موافقة رئيس المجلس السماح لأحد المسؤولين أو الخبراء بحضور جلسات المجلس لتقديم ما لديه من معلومات وإيضاحات لكنه حتى وإن حضر الجلسة فإنه لا يملك حق التصويت لأنه ليس عضواً في مجلس الوزراء، ومثال ذلك كأن يكون المجلس بصدد مناقشة أمرٍ ما وتبيّن أن هناك مسؤولاً معيناً أو متخصصاً أو خبيراً قد يساهم بإبداء رأي مهم حيال هذه القضية إما لخبرته في هذا الشأن أو لفهمه العميق لتفاصيله أو لتعلقه بمسؤولياته أو أعماله التي يقوم بها أو غير ذلك من الأسباب.