سليم صالح الحريص
** تحل الفاجعة.. تفقدك وعيك.. تحتل فيك كل حس وشعور..كالغمام حين يلف الأرض.. لا تعرف اتجاه بوصلتك ولا ما يحيط بك.. شعور لا تدرك واقعك ولا تلم بما حل بك.. إلا أن مصيبة حطت رحالها.. والفاجعة توطنتك واحتلت كل شيء فيك.. عندك.. حولك..
** هكذا تأتي الفجيعة..وكيف لا تكون كذلك وفقيدنا الغالي من سكن القلوب والجوارح واحتل بؤبؤ العين حضوراً وتوطن فينا كل شعور وتشربنا حبه كحليب أمهاتنا.. ليس لأنه ملك وليس لأنه قائد فذ فحسب، بل لأنه من حمل بين جوانحه القلب الأبيض النقي.. ولأنه صافي النية والطوية.
** فقد عبدالله بن عبدالعزيز جاء صادماً موجعاً.. وإن كان الموت حقاً ويقيناً لكن فقده كان ممضّا.. مُضيّه إلى دار البقاء جاء عجلاً.. واختطفه الموت من بيننا كلمح البصر.
** كانت الجمعة وكان الصباح شاحباً.. الفضاء كئيباً والوجوه منقبضة ملتاعة والعيون مترعة.. والدمع يهمي كسحابة أروت كل فيضه.
** يوم الجمعة كان ثقيلاً مُثقلاً.. إحاطتنا بالقتام الحزين .وألبستنا ثوباً من الوجع.. كان ثقيلاً كثقل الهم.
** أن تودع من تحب فجيعة.. وأن تستوعب حدث جلل.. لا يُستوعب ..
** كان رحيله موجعاً ليس للسعوديين فحسب بل للقاصي والداني. للبعيد قبل القريب.. عبدالله بن عبدالعزيز عليك رحمة الله.. فقد كنت الاشراقة للقلوب وكنت الصفاء في فضائنا.. والطمأنينة فينا والفرح القادم الذي ننتظره كل فجر.. والأمل الذي يعانقنا مع كل إطلالة بهية لقامتك وحضورك الذي يأتي بلا تكلف ولا تصنع والكلمات التي تترى بعفوية وصدق. وحديثك البسيط السهل ووجهك السمح. وتلويحه أكفك التي تعني العطاء السخي الجزل.
** كانت قوتك رحمك الله في عفويتك وتلقائيتك.. حضورك طاغ في بساطتك وأريحيتك وكلامك الذي يلامس شغاف القلب كونه نابعاً من قلب أبيض .لا يحمل التنميق والتصفيف..
** صعب فقدك وموجع رحيلك. والمؤلم كيف نؤبنك ونرثيك.. نبكيك وبكاؤنا لن يطفئ الجمر ونحيبنا يوقد لوعة الفقد.
** غادرتنا يا كبيرنا.. يا قامة الوطن وإشراقته وبهائه إلى دار الخلد بعد سنوات من العطاء والبذل. بعد جهد جهيد منافحاً عن قضايا الأمة .. نقلت بلادنا إلى مدارج الرقي وصنعت لنا مجداً نباهي به وسطرت في سجلات العطاء الكثير من المنجزات التي نقشت على جيد الوطن مُخلدة اسم عبدالله بن عبدالعزيز.. قلائد كثيرة وكثيرة لكنها كانت في نظرك أقل مما أمّلت ورغبت وتطلعت. لأنك الكبير في تطلعاتك والشامخ في علو ما تريد والقامة التي تطالع إلى البعيد.. البعيد..
** لا نملك أي أمر إلا الدعاء لك بالمغفرة والرحمة.. وأن يجزيك مولاك على كل عطاء أعطيته وكل منجز حققته لنا.. أهلك ولوطنك ولكافة أبناء الأمتين العربية والإسلامية.. نسأل الله أن ينزلك منازل الصالحين والأبرار والصادقين.. وعوضنا في خلفك الملك سلمان والأمير مقرن والأمير محمد بن نايف الذين نبايعهم بصدق متناهٍ وإخلاص لا يعتريه شك أو تشكيك ليحملوا المشعل ويسيرون بنا قدماً ليكملوا المسيرة فهم إن شاء الله خير خلف لخير سلف.. ونضرع إلى المولى أن يعينهم على حمل الأمانة ويسدد خطاهم وأن يكلأهم بعينه التي لا تنام وأن يحمي وطننا من كل سوء ويرد كيد الكائدين..
** سيدي اختارك الله إلى جواره.. لكنك باق معنا كأنفاسنا كأبصارنا.. باقٍ نراك في كل مشهد صنعته وكل منجز حققته.. نم قرير العين أيها الكبير.