وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أسساً متينة ومباركة للعلاقات الحكومية والأخوية بين المملكة العربية السعودية والبوسنة والهرسك منذ البدايات الأولى لاستقلال بلادي.
في أصعب الأوقات للبوسنة والهرسك، عندما دمرت الإمكانيات التجارية، ووصلت القوة العسكرية والاقتصادية إلى نهاياتها، وكانت الأراضي المسيطر عليها من قِبل الحكومة الشرعية آخذة في الانحسار، وعدد الضحايا في ازدياد، في الوقت الذي يحافظ فيه المجتمع الدولي على موقف غير المهتم والحاكم المشبوه، بينما المناطق المحمية من قِبل الأمم المتحدة، خاصة سربرنيتسا، تواجه توقعات بارتكاب جريمة الإبادة في حق أهلها، يبدأ عمل رئيس الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك، نعم، إنه الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -.
الملك سلمان كان حينها أمير منطقة الرياض، وكان مكلفًا مباشرة من قِبل الملك فهد - رحمه الله - بشأن مساعدات البوسنة والهرسك. إسهامات الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك كانت وبقيت لا تقدر بثمن. الملك سلمان كرس نفسه تمامًا لهذا الدور، وكان ذلك يُرى على وجهه. الاهتمام والرعاية اللذان أبداهما لمستقبل البوسنة والهرسك كانا يمثلان نوعًا من الاهتمام الروحي «مساعدة من وقع عليه التهديد والهجوم، والعمل على تحقيق العدالة وعدم الرضا عن العنف» يبدو أنه كان هدفه.
الملك سلمان - حفظه الله - زار البوسنة والهرسك مرتين، وأثناء زيارتيه تبرع بمركز لغسيل الكلى في سراييفو، ساعد لإعمار منطقة سكنية كاملة للمهاجرين في منطقة برجكو، افتتح المدارس، قدم مساعدة ضخمة للمستشفى في توزلا، كما قام بافتتاح جامع الملك فهد في سراييفو وجامع الملك عبدالله في توزلا. لقد كانت البوسنة والهرسك محظوظة أن عَهِد الملك فهد - رحمه الله - ملف البوسنة والهرسك للأمير في ذلك الوقت، والملك الآن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -.
الملك سلمان حائز أعلى وسام دولة البوسنة والهرسك (وسام بطل البوسنة)، الذي مُنح لبعض القادة في العالم، فإلى جانب الملك سلمان حصل عليه محمد مهاتير، سليمان ديميريل وأليوس موك. لقد حضر فخامة الرئيس علي عزتبيغوفيتش إلى الرياض، وفي قصر أمير منطقة الرياض حينها، وأمام جمع من أمراء الأسرة المالكة، وأعضاء الحكومة، وممثلي السلك الدبلوماسي، قام بتقليده الوسام. مراسم تقليد الوسام والتقاء الأصدقاء في قصر الإمارة بالرياض كانت معبرة وعاطفية ومؤثرة، وحظيت بصدى واسع في الصحافة المحلية والعالمية.
سفير البوسنة والهرسك في ذلك الوقت، السفير سناهيد بريستريتش، الذي ساعدني في الإعداد لمهمتي في السفارة، حين يتحدث عن ذلك الحدث، وأثره السياسي والرمزي والسامي، دائمًا يشعر بالفخر والاعتزاز، وهذا غير مستغرب؛ لأن سفير البوسنة والهرسك في ذلك الوقت كان يحظى بامتيازات خاصة تمكنه من الاتصال بالأمير سلمان في أي وقت لإبلاغه بالوضع في البوسنة والهرسك.
ضمن أساطير البطولة في البوسنة والهرسك تُحكى أحداث سفريات الأمير سلمان، الذي لم يتوانَ عن تغيير مخططات الرحلات المحددة مسبقًا نحو مراكز القوى السياسية في أوروبا من أجل حل سلمي وعادل للبوسنة والهرسك. مكاتب رؤساء الوزراء في أوروبا كانت تحاول التأثير على المؤسسات الحكومية في البوسنة والهرسك من أجل التدخل عند الأمير سلمان حتى يكونوا ضمن برنامج زيارة الأمير سلمان. أثناء لقائي مع الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - خلال شهر رمضان قبل ستة أشهر قال لي الملك: «السلام أهم شيء للبوسنة والهرسك. البوسنة نتيجة للسلام. السلام يقودكم نحو الازدهار والرفاهية، وهكذا الحال مع البوسنة دائمًا».
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وشعبه ودولته.
السفير حارث هرلي - سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة العربية السعودية