الأمن والاستقرار ورخاء العيش والحرص على التعليم والصحة ومكافحة البطالة والفقر أمور تساهم في نماء الدول وتقدمها.
تعاقب على إدارة دفة هذه البلاد ملوك نجباء مخلصون محبون لوطنهم ولشعبهم منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله -، وترك كلٌّ من سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله - رحمهم الله - بصماتهِ ومآثره وما خلده التاريخ له من مناقب أسهمت في رقي وتطور هذه المملكة الفتية ورقي شعبها والإسهام في نهضته وتقدمه.
فلو بدأنا مثلاً ببعض ما تحقق في عهد الملك سعود من تحديث لهذه المملكة والإسهام في نهضتها، وقد كنت صغير السن عند توليه - رحمه الله - الحكم، وأذكر أن مدينة الرياض كانت مدينةً صغيرةً جداً مقارنة بما هي عليه اليوم، وقليلٌ من طرقاتها معبد ومضاء فأضحت ورشة عمل كبرى تضج بالحركة العمرانية والتطوير، حيث شقت فيها شوارع وميادين فسيحة مثل شارع المطار وشارع الجامعة على سبيل المثال لا الحصر وخطط لمباني الوزارات على طريق المطار بمساحات كبيرةٍ جداً ومتجاورة لراحة المراجعين وخطط لإنشاء أول جامعة حكومية في المملكة ونشر المدارس والمعاهد في جميع مدن وقرى المملكة وكان يقوم بزيارات لجميع مناطق المملكة، وخلال زياراته الميمونة يقوم بتوزيع الأقمشة الرجالية والنسائية والمال على جميع السكان صغاراً وكباراً، وكان يتلمس حاجات المواطنين ويأمر بقضائها متخذاً نهج والده المؤسس عبد العزيز - غفر الله لهما - نبراساً ودليلاً، فأحبه الناس وألفوه.. ثم جاء بعده الفيصل الذي كان عراب السياسة السعودية الخليجية، ومنح الدولة مهابةً وعزة في جميع المحافل الدولية والعالم، يذكر له وقفته الصلبة مع جمهورية مصر العربية إبان العدوان الإسرائيلي عام 1973م، وقبله العدوان الثلاثي الإسرائيلي الإنجليزي الفرنسي على مصر، فقد قطع البترول شريان حياة ومصانع الغرب عن الدول الغربية عام 1973 م، وبات الصهيوني كيسنجر وزير خارجية أمريكا لسنين طوال يتردد على المملكة يستجدي الملك فيصل ويسترضيه ان يفتح صنبور البترول والملك ثابت لا يتردد في عدم استقباله والتباحث معه في أي أمر كان، وأصيب كيسنجر جراء ذاك التصرف بالخيبة والاكتئاب، فكيف بدولة ناشئة صغيرة تصد وزير خارجية أمريكا أعظم دولة على وجه البسيطة، خصوصاً كيسنجر الذي كان يشبه بسمارك ألمانيا في عهد هتلر، وكان لكل من الملك سعود والملك فيصل - رحمهما الله - مساهمتهما المشرفة في توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي والسير ببلادنا داخلياً وخارجياً نحو التقدم والرفعة والمكانة الدولية المرموقة.. ثم جاء المغفور له - بإذن الله - الملك خالد صاحب السجايا المحمودة والدمعة الدافقة ليكمل ما بدأه إخوانه ويشيد ويعلي البناء داخلياً وخارجياً، وكان محبوباً جداً من الشعب لزهده في الحكم وورعه وتقواه وبساطته.. ثم جاء الفهد وكان له موقف صلب ومشهود في الحفاظ على دولة الكويت الشقيقة وحماية أسرتها الحاكمة وشعبها من أيبتلعها صدام برعونته وصلفه وسياسته الهوجاء الخرقاء وغير الحصيفة، وفي عهد الفهد ازداد نشر التعليم بجميع مراحله وتوسعت البعثات الخارجية، وجرت توسعة ضخمة للحرمين الشريفين وقيام شركة سابك وتوسعة الموانئ والمطارات ومد وتعبيد مزيد من الطرق، لتترابط شبكة النقل البري بين شرايين هذه القارة.. ثم أعقبه عهد الملك عبد الله - رحمه الله - الذي يتشابه في كثير من الصفات الشخصية مع صفات الملك خالد من حيث التواضع والصراحة والبساطة والحدب على الشعب. وفي عهده انتشرت الجامعات في كل مدن المملكة الكبيرة والصَّغيرة بمدنها الجامعية الجميلة والحديثة المتكاملة وفي عهده تتم أضخم توسعة للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وأمر بابتعاث الطلاب والطالبات لنهل العلم الحديث من جميع الدول المتقدمة حتى تجاوزت أعدادهم مئات الآلاف ولبلدانٍ مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفلندا. وقد كان الابتعاث قبل ذلك مقتصراً على الذكور وعلى عدد محدود من البلدان وبأعداد غير كبيرة، وفي عهده شمل الابتعاث الجنسين وبأعداد غفيرة لمعظم بلدان العالم وفي مختلف القارات، وكان أحد اسرار تقدم اليابان هو بعثهم للعديد من الطلاب للدراسة في البلدان الغربية التي سبقتهم في كل العلوم، وهذا ما خطط له ونفذه الملك عبد الله - رحمه الله - بابتعاثه لأبنائه وبناته لينهلوا في هذه البلدان المتقدمة معظم العلوم وبلغاتها الصعبة مثلهم مثل أقرانهم من أهل هذه البلدان الأصليين، وأمر بإنشاء المدن الاقتصادية والصناعية الضخمة مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية التي أنشأ فيها جامعة كاوست العلمية الراقية والمدارس المتطورة والحديثة، وأمر بإنشاء مدينة سدير الصناعية الضخمة إلى غير ذلك من المآثر والإنشاءات، وأمر بإنشاء النوادي الرياضية الحديثة وتحديث شبكات النقل ومدها في جميع أنحاء المملكة المترامية الأطراف من قطارات حديثة وسريعة وقطارات متطورة للمدن الكبيرة أو ما يعرف بالمترو تحت الأرض وفوق الأرض وحافلات النقل من جميع الأنواع الحديثة والجميلة السريعة والمريحة، كما عضد المرأة وأعلى من شأنها إدراكا منه أنها تمثل نصف المجتمع وأنها البوتقة الأولى التي ينصهر فيها الطفل وتستطيع ان تعده إعدادا جيداً وصحيحاً، فأدخلها إلى مجلس الشورى واسند إليها بعض المناصب الرفيعة في داخل المملكة وفي المحافل الدولية بجسارته المعهودة والتي كانت تشبه السيف البتار أمام بعض المتقوقعين والمنغقين ورموز التخلف والتحجر، وتحقق على يديه - رحمه الله - قفزات كبيرة وسريعة في الصحة والصناعة والبنية الأساسية وأشياء كثيرة غابت عن بالي لكثرتها لمآثر هؤلاء القادة الأسود رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته وجزاهم عنا خير الجزاء.
وهذه الأيَّام يبدأ عهد جديد لا اعتقد انه سوف يختلف كثيراً عن الخط الذي رسمه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - وسار عليه خلفه وكل منهم يطور ويعلي البناء لهذه المملكة الفتيه داخلياً وخارجياً، وسلمان بن عبد العزيز - أمد الله في عمره وحماه وأعانه - عاصر كل هؤلاء القادة وشارك مشاركةً فعالة في كل ما اتخذوه من قرارات حكيمة تمس الداخل والخارج، وله دراية وبعد نظر ثاقب وثقافة واسعة ومحبة بين الناس، مما سوف يمكنه - بإذن الله - من إدارة دفة هذه السفينة الضخمة في هذا العصر المتلاطم الأمواج والعواصف، وندعو له ولأعوانه بالتوفيق والسداد ونحن خاصة أبناء الرياض والمنطقة الوسطى ندين له بكل الولاء والحب والتقدير، فقد كان أميرنا المحبوب طيلة نصف قرن بل هو كان أميراً لكل أبناء هذه البلاد المترامية الأطراف لا يفرق بينهم وبين منطقة وأخرى أو غني أو فقير سدد الله على دروب الخير خطاه ووقاه.
- عثمان بن عبدالمحسن العبدالكريم المعمر