قرر حكيم أن يعلم أبناءه الأربعة ألا يتسرعوا في الحكم على المواقف أو الأشخاص، لذا كلف كلاً منهم بالذهاب لتأمل الطبيعة في إحدى الغابات، على أن يذهب كل منهم في فصل مختلف.
ذهب الابن الأول إلى الغابة في فصل الشتاء، والثاني في الربيع، والثالث في الصيف، وأخيراً ذهب الرابع في الخريف.
عندما رجع الابن الأخير من رحلته، جمع الأب أبناءه، ثم طلب منهم وصف ما شاهدوه في الغابة. قال الأول: «كانت الأشجار ذات منظر كئيب وفروعها جرداء خالية من جميع مظاهر الحياة!» قاطعه الثاني قائلاً: «هذا غير صحيح! لقد كانت الغابة مكسوة باللون الأخضر البهيج، مع مزيج رائع من ألوان الزهور والفاكهة. لقد كان هذا أجمل منظر رأيته في حياتي على الإطلاق! «فقال الثالث: أنت تبالغ! لم يكن المنظر بهذه الروعة، بل كانت الفاكهة ذابلة
و»أفقدتها حرارة الشمس نضارتها!» علق الرابع مندهشاً: «ما هذا الذي يقولونه؟ لم أر شيئاً مما تصفون! لقد كانت الأشجار باهتة اللون، وخالية من الثمار، وأوراقها الصفراء تغطي أرض الغابة!»
ابتسم الأب لما يقوله أبناؤه، وقال لهم: «يا أبنائي، أنتم جميعاً على حق. كل منكم رأى الغابة في فصل واحد ولم يرها في الفصول الأخرى، لذا اختلف رأيه عن باقي إخوته. لكي يحكم الإنسان على أي شخص، يجب أن يعرفه عن قرب ويقيمه من جميع الجوانب، ولا يحكم عليه من موقف واحد فحسب. وهكذا أيضاً حياة الإنسان بأفراحها وأحزانها مثل فصول السنة، يرحل واحد ليأتي الآخر. فلن تشعروا بمذاق الحياة إلا إذا استوعبتم حتمية تغيرها من حال إلى حال، وتقلبها من منوال. إلى منوال. فيوم ضحك وغناء، ويوم حزن وبكاء.... وهكذا دواليك إلى الانقضاء!»