عبيد بن عساف الطوياوي
يا من حدَّثته نفسه بالجهاد في سبيل الله، ونصرة الدين، وأنَّبه ضميره لما يحل ببعض بلاد المسلمين، واشتاق قلبه لما وعد الله عباده المجاهدين، هنيئا لك عملك بقول ربك عز وجل: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وبقول نبيك - صلى الله عليه وسلَّم - : (لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها)، هنيئا لك تغلبك على شيطانك ونفسك، هنيئا لك شجاعتك وإقدامك، وتضحيتك بحياتك أغلى ما عندك، هنيئا لك هوان الدنيا بعينك، وجعلها تحت قدمك لا بقلبك، هنيئا لك خوفك مما حذر منه نبيك - صلى الله عليه وسلَّم - بقوله: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق)، ولكن عليك أن تعلم أن الجهاد عبادة كغيرها من أنواع العبادات، وقربة يتقرب بها المسلم مثلها كمثل غيرها من القربات، فالجهاد عبادة شأنها شأن الصوم والصلاة، والحج والزكاة، لها شروط وأحكام، وواجبات وأركان، الإخلال بها كالإخلال بما للصوم والصلاة والحج والزكاة، ولك على سبيل المثال، الصلاة، فلا تصح ولا تقبل إلا إذا كانت كصلاة النبي، لقوله - صلى الله عليه وسلَّم - : (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فما زال المسلمون من حينها يصلون كصلاته - صلى الله عليه وسلَّم - ، يتناقلون صفتها جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا، بل وإلى قيام الساعة، فمن أراد أن يصليها حسب مزاجه، ويؤديها وفق ما يمليه عليه هواه، الذي قد يكون مخالفا لكتاب ربه وسنة نبيه، فلن تصح صلاته، ولك أن تتخيل أخي المجاهد، لو صلى أحدنا صلاة كاملة، بطهارتها وقيامها وركوعها وسجودها، وما فيها من قرآن وأدعية وأذكار، ولكنه بعد نهاية التشهد الأخير، لم يسلم، اكتفى في نهاية الصلاة، بقراءة التشهد والصلاة على النبي ودعا ثم طوى سجادته وقام، لا شك أن صلاته باطلة غير مقبولة من أولها إلى آخرها، لفقدها لركن من أركانها، وهو التسليمتان.
ومثل الصلاة كل شيء يتعبد به المسلم ربه، لأن العبادة لا بد أن يتوفر فيها الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلَّم - ، وإلا لن تكون عبادة حقيقية صحيحة مقبولة، إنما تكون شركا أو بدعة، شركا لما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ)، وبدعة لقول النبي - صلى الله عليه وسلَّم - : (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا، فَهُوَ رَدٌّ). فالجهاد الذي هو بذل الجهد والطاقة والمشقة في سبيل الله، عبادة عظيمة، ومنحة ربانية كريمة، له أركانه وآدابه، لن يكون جهادا صحيحا مقبولا إلا بها، ولن تنال الشهادة في سبيل الله إلا بعد تحقيقها، وهي كثيرة ولكن منها ومن أهمها، وجميعها مهمة: كون الجهاد تحت قيادة إمام مسلم مطلع على فنونه، يتدبر أمره وينظمه، مثله مثل الصلاة، التي لا تكون صلاة جماعة بدون إمام، وإمام المسلم هو ولي أمره، الذي أشار إليه عز وجل بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ} يقول ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: فأولو الأمر صنفان من الناس، أحدهما: العلماء، والثاني: الأمراء، فلا بُدّ للأمة من علماء يقودونها إلى شريعة الله بيانًا وإيضاحا: تعليمًا وتربية، ولا بُدّ للأمة من أمراء يُطاعون في غير معصية الله، وإذا لم يكن للأمة علماء ولم يكن للأمة أمراء صارت في جهل عميق وفوضى شديدة وفسدت الأمة؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم - : (لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمّروا عليهم أحدهم)، وقال - صلى الله عليه وسلَّم - : (( إذا خرج ثلاثة في سفر فلْيؤمِّروا أحدهم ))، فأوجب النبي - صلى الله عليه وسلَّم - التأمير في السفر مع أنه اجتماع عارض غير مستقر، فكيف بالاجتماع الدائم المستمر المستقر!
وهناك - أخي المجاهد - شبهة يجعلها من انحرفت أفكارهم مبررا لهم، لتضليل من بلي بصحبتهم، واستغلوا عاطفته لاتباعهم، وهي تعدد الولاة والحكام والدول، حيث يجعلون ذلك سببا للخروج على من أمر الله بطاعته، ووسيلة لنزع يد الطاعة ممن ألزم الله بيعته، وهذه الشبهة لم تخفَ على علماء المسلمين، السابقين والمعاصرين، فقد بينوا خطرها، وحذروا من ضررها، واثبتوا كذب وضلال من تشبث بها، يقول شيخ الإسلام بن تيمية: والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوّابه، فإذا فُرِض أن الأمة خرجت عن ذلك - لمعصية من بعضها، وعَجْزٍ من الباقين - فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق. وهذا الكلام من شيخ الإسلام يقابله ما انطوى فيه من وجوب طاعته، وعدم الخروج عليه؛ لأنه وجب عليه أن يحكم بين الناس ويستوفي الحقوق.
فالجهاد عبادة، يجب أن تكون كما يريد من بيده أجرها، وبإرادته ثوابها، فاحذر أن تكون لرغبة أو شهوة أو شبهة، فتقع بما لا تحمد عقباه، وتكون ممن خسر دينه ودنياه.