كتب - محمد المنيف:
مع حفظ الألقاب وتقديري العميق لكل ما قدمه معالي الدكتور عادل الطريفي من خطوات في مسيرته العملية التي كانت وما زالت تصب في مصلحة الوطن، توّجت بهذا المنصب الجميل بجمال محتوى الوزارة الصعب في تنوع مشاربها ورهافة مشاعر المنتمين إليها من فنانين وأدباء.. وما يحمله اليوم من مسئولية لا تقل عما سبقها من مسئوليات حقق فيها د. عادل نجاحاً أهّله لتسنُّم وزارة تشكّل وجه الوطن الحضاري في جانب الفكر والثقافة والإبداع.
ولنا كتشكيليين أمل كبير في أن تلملم أوراق هذا الفن من حالة البعثرة والشتات إلى عمل مؤسسي، ولهذا أضع ببن يديك معالي الوزير موضوعاً لجمعية ما زالت فتية تتلمس طريقها وتخطو خطواتها نحو تحقيق ما أُسست من أجله.. تلك هي الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وقبل أن أكشف موقع الألم والمواقف المؤسفة التي تواجه جمعية تختص بفئة كبيرة وهبها الله ما وهب كل من ينتمي للثقافة والفكر والأدب مع اختلاف سبل التعبير، واختصاصها في اللون والخطوط والكتل وما يتبع ذلك من بناء العمل الفني من ظل ونور وتوزيع عناصر، لينتهي الأمر بلوحة تحمل هوية ابن الوطن مزدانة برموز التراث والأصالة، أو بقطعة نحت انتقى لها الفنان كتلة حجر أو قطعة من الخشب التقطها بعينه الفاحصة ليحيلها إلى معنى وفكرة ومضمون، يؤكد أن لدينا مبدعين مفكرين يعون دور إبداعهم في بناء حضارة مملكتهم، يتوزعون على كل منطقة ومحافظة مدينة وقرية، ينتسبون لجمعية سعودية الأصل والولادة تحتضن التشكيليين والتشكيليات وتحقق لهم سبل النجاح والمنافسة.
بداية انطلاقة الفن التشكيلي
معالي الدكتور عادل اسمح لي أن أستعيد لمحات من تاريخ الفن التشكيلي ولو بشكل مختصر, قبل أن أضع أمامك أمانة حُملت إيصالها لك إعلامياً افتخاراً بهذا الفن، وليس تشهيراً بما هو عليه، مع ما أتوقعه من شعور عدد من الفنانين السعوديين، وفي مقدمتهم رواد البدايات والتأسيس الذين غامروا بإقامة معارضهم في مرحلة لم يكن المجتمع ولا الجهات الرسمية تعي دور هذا الفن وأهميته، واعتباره ضرباً من ضروب التسلية وسبيلاً لإضاعة الوقت، أمثال الفنانين الذين رحلوا عنا محمد السليم وعبد الحليم رضوي وعبد العزيز الحماد وغيرهم، أجزم أنهم لو كانوا أحياء لسعدوا بما كانوا يحلمون به من نهضة تشكيلية وفي مقدمتها إنشاء جمعية مختصة بإبداعهم سعوا وساهموا بالمطالبة بها، لكن القدر لم يمهلهم أن يروها على أرض الواقع.
لقد تجاوز الفن التشكيلي الحدود وبجهود الكثير، منها الفردي حيث يقوم الفنانون باكتساب الخبرات بجهودهم لعدم وجود أكاديميات متخصصة مع ما تلقاه الدارسون من خبرات خصوصاً خريجي معهد التربية الفنية الذين أغلق عام 1411هـ وكانت لهم المبادرات في انطلاقة الفن السعودي، أو من خريجي أقسام التربية الفنية بالجامعات من الجنسين أو من تم ابتعاثهم للخارج لدراسة التربية الفنية، القليل منهم تخصص في الفنون التشكيلية (الجميلة)، أصبح هذا الفن بهم علامة بارزة ومنافسة في محيط الإبداع الثقافي والأدبي في المملكة، وعلى مستوى الخليج والعالم العربي.
مرحلة الرئاسة العامة.. التأسيس
وبما أننا أشرنا إلى من كانوا يغردون خارج سرب الاهتمام المؤسسي، فعلينا أن لا نغمط حق من منح هذا الفن حقه إذ لا يخفى على معاليكم ما قام به الراحل رائد الثقافة والأدب والفنون صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك، واهتمامه واحتضانه لإبداعات الوطن وثقافته، فكان للفن التشكيلي ما لبقية الإبداعات من اهتمام حيث أنشأ من أجلها إدارة للأنشطة تشتمل على العديد من الأقسام المتخصصة منها قسم الفنون التشكيلية الذي انطلقت أولى ثماره عام 76م بأول معرض جماعي للفنانين التشكيليين السعوديين، لتتوالى الأنشطة التشكيلية بعد هذا المعرض بتنوع وتعدد لمسمياتها من معرض فناني الأندية ومعرض المناطق ومعرض المقتنيات ومعرض الفن السعودي المعاصر إلى آخر المنظومة التي لا يتسع المقام لذكرها.
جمعية الثقافة والفنون.. الرافد
لم يتوقف الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - عند حدود قسم لهذا الفن، فأضاف هدية جديدة للثقافة والفن بإنشائه جمعية شاملة تضم أقساماً منها: قسم للفنون التشكيلية ساهمت كثيراً في بداية تأسيسها بقيادة الأمير بدر بن عبد المحسن للأربع سنوات الأولى ما بين 74 إلى 78م.. وأدت ما عليها من دور مرت الجمعية بعدها بتغيرات لا مجال لتقييمها.. ازدوجت فيها المهام مع وكالة الشئون الثقافية من حيث الإدارات، التشكيلية والمسرحية إلى آخر المنظومة, كانت الوكالة الأفضل والأكثر تنظيماً ودسامة برامج، بينما توقفت الجمعية عند حدود برامج عادية لا تحقق الأهداف الكبيرة التي وكلت لها، (قول شاهد من أهلها كاتب المقال أحد أعضاء أول لجنة فنون تشكيلية بالجمعية).
وزارة للثقافة والإعلام.. ونقل المسئولية
انتقلت الثقافة والفنون إلى وزارة الثقافة والإعلام وأكملت مسيرة ما قبلها إلا أن الأمر يختلف بين مرحلة التأسيس وما حظيت به تلك الفترة من التفاف التشكيليين وإقبالهم على برامج قسم الفنون التشكيلية بالرئاسة أو إدارة الفنون التشكيلية بوكالة الشئون الثقافية مع ما قامت به الوكالة من جهود، إلا أن الاختلاف الزمني وما تبع ذلك من انفتاح الساحة على نوافذ وأبواب أخرى أكثر إغراء منها صالات العرض الفنية في المدن الكبيرة واعتماد الفنانين على أنفسهم والاستفادة من سبل التواصل مع العالم التشكيلي في كل بقاع الدنيا ما أحدث فجوة وبُعداً عن الإقبال والتجاوب مع دعوات الأنشطة الرسمية التي تقيمها الوكالة مع ما تبذله الوكالة من جهود وما تمنحه من جوائز قيمه إضافة إلى ما تقوم به وكالة الشئون الدولية من نقل الفن التشكيلي في مناسباتها الخارجية إلى أعين العالم..
ازدواجية التنظيم والمرجعية
هذا الواقع والذي أشرنا إليه في سياق الموضوع عن وجود ازدواجية العمل فيه بين الوكالة وجمعية الثقافة، مع ما تقوم به بعض الجهات من تنظيم لبرامج وأنشطة تشكيلية ومسابقات منها الحرس الوطني في مهرجان الجنادرية ومسابقة السفير التي تعدها وزارة الخارجية وما تقوم به بعض الصالات من استقطاب للتشكيليين والتشكيليات أو ما يقوم به بعض الفنانين من جهود فردية على حسابهم الخاص أو بدعم من بعض مؤسسات القطاع الخاص.. هذا الواقع والتعدد في لجهات أحدث نوعاً من الفوضى التي يمكن وصفها بالإيجابية في حال الاستفادة منها واستخلاص الجيد من الغث وتنظيم مسار الفن التشكيلي الرسمي الذي يمثّل فن الوطن وليس التجارب غير الناضجة التي أصبحت تملأ الفضاء بأصواتها النشاز (تشكيلياً).
قصة جمعية التشكيليين
لنأتي يا معالي الوزير إلى بيت القصيد وهي الجمعية السعودية للفنون التشكيلية التي أُنشئت عام 1428هـ بعد مطالبات واجه فيها المطالبون من التشكيليين الكثير من المحاربة من مؤسسات منافسة أدرجت الفنون التشكيلية ضمن أنشطتها كنشاط فرعي، مما أثار مخاوف تلك الجهات من التفاف التشكيليين على جمعيتهم الجديدة المتخصصة وهذا ما حدث، حيث أصبح الفنان يحمل بطاقة رسمية تعترف به كفنان محترف أو هاوٍ أو حتى متذوق كما نصت لائحتها، تلك المطالبة التي أتت من التشكيليين إنقاذاً لفنهم، وليحققوا ما تحقق لفناني الخليج من جمعيات بعضها تجاوز عمره الخمسين عاماً هي الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية مع ما نستشهد به من وجود جمعيتين تشكيليتين في البحرين مع الفارق في أعداد التشكيليين في البلدين وحجم الإمكانيات المادية أيضاً.
لقد حققت الجمعية يا معالي لوزير.. نجاحات رغم شح سبل دعمها منها على سبيل المثال إقامة عدد من المعارض من بينها الملتقى الأول الذي أقيم في ثلاث محطات هي: الرياض وجدة وعسير، والإعداد حالياً للملتقى الثاني مع ما تم من شراكة مع عدد من الجهات الرسمية بجانب ما تقوم به فروعها التي أنشئت بناء على رغبات التشكيليين في عدد من المناطق والمحافظات طبقاً للائحة.
هذه الجمعية يا معالي الوزير أقرت على الورق، واعتبرت ضمن قرارات إنشاء المكتبات أو محلات الفيديو التجارية ولم تُسجل في المقام السامي، وأصبحت في حال تخجل منسوبيها أمام ما تحظى به شقيقاتها جمعيات الخليج.
ذلك القرار الذي لم يتجاوز حدود الورق وما قوبلت به الجمعية من اعتذار عن عدم نظاميته أبعدها عن أحقيتها في المكرمة الملكية مع ما تواجهه الجمعية من القطاع الخاص الذي يرى أن الجمعية تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام وأن على الوزارة الاهتمام بما ينسب إليها وأن ما يقدم من دعم من الشركات أو المؤسسات خاص بالجمعيات الخيرية، ومع ذلك لم تتوقف الجمعية عند هذا الموقف المحبط بقدر ما تولى منسوبوها وفروعها والمتطوعون لدعم فنونهم من دفعها لمواصلة مسيرتها واضعة عينها على المقام السامي لتسجيلها رسمياً ليمنحها التسجيل إعانة تعينها على إدارة نشاطها وخدمة منسوبيها.
شركات تعي أهمية إبداعات أبناء الوطن
لم ولن تخلو الدنيا من رجال الوطن المخلصين من أصحاب الشركات الذين لم يرضوا بأن يتوقف طموح المبدعين في وطنهم عند مشكلة الدعم؛ فتجاوبت شركتان من أشهر الشركات على مستوى المملكة والخليج، هما شركة دهانات الجزيرة بدعم ملتقى الجمعية الأول بمائة وعشرين ألفاً؛ ليصل دعمها للملتقى الثاني إلى مبلغ تجاوز ربع مليون. كما قامت شركة الهوشان كلبس بتولي دعم مناشط الجمعية وورش التدريب فيها في المركز الرئيسي والفروع بكل ما يلزم من لوازم الرسم على أعلى جودة، وخصم عشرين في المائة لمشتريات الفنانين الحاملين لبطاقة الجمعية.
أخيراً، نطرح السؤال الكبير لكم معالي الوزير د. عادل الطريفي: كيف ترون هذه الجمعية؟ وماذا لديكم للوقوف معها؟.. الإجابات تحتمل أمرين: إما العودة لما كنا وكان التشكيليون يسمعونه من سبل الإحباط لفئة لا تقل أهميتها عن الأدباء، أو أن تكون الإجابة بحجم ما يحمله قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان من حرص على كل صغيرة وكبيرة تشكل لبنة من لبنات بناء حضارة الوطن.