أود أن أستعير من اللغة الإنجليزية وصفاً جميلاً هو RENAISSANCE MANس يمكن أن نترجمه إلى العربية فنقول: (رجل النهضة).. أو (الرجل النهضوي)...
وهذا الوصف يطلق على الرجل ذي الأفق الواسع الذي تشمل مداركه عدة فنون من المعرفة وتشمل اهتماماته عدة حقول من الفكر..
وأصل التعبير أن المثقف في عهد النهضة الأوروبية لم يكن متخصصاً في فن بذاته وكان عليه أن يكون ملماً بثقافة العصر كلها.
وأحسب أن المثقف في عصور نهضتنا الغابرة كان هذا شأنه.. ومن هنا أبيح لنفسي استخدام وصف يسري على مثقفي النهضة الغربية كما يسرى على مثقفي النهضة العربية..
والرجل النهضوي الذي أعنيه هو الصديق الدكتور راشد المبارك الذي يحتفي به هذا العدد، وهو بالاحتفاء جدير..
هذا الرجل بالإضافة إلى تخصصه الأكاديمي الذي برز فيه، علم الطبيعة، كاتب من الدرجة الأولى.. وشاعر متميِّز.. ومفكِّر قدير.. وداعية نشط من دعاة الإصلاح والتنوير..
لا أعرف كثيرين تربطهم صداقات حميمة، شخصية ومهنية، مع علماء حائزين على جوائز نوبل في العلوم الطبيعية.. ومع شعراء نوابغ.. ومع فقهاء أعلام..
الحق أني لا أعرف أحداً غير راشد المبارك.. وهو يتحدث مع كل هؤلاء باللغة نفسها.. ويحاورهم بالعمق نفسه..
نسيت أن أقول إنه عندما يتحدث في الفلسفة تحسب أنه حضر، شخصياً، أكاديمية أفلاطون.
(كانت له مؤخراً مقابلة رائعة مع الزميل الأستاذ حاسن البنيان بثتها (الإخبارية).. وكشفت عن بعض هذه الجوانب.. وأنتهز هذه الفرصة لأرجو (الإخبارية) أن تعيد بثها.. مراراً!)
ورجلنا النهضوي لا يعتبر فكره ملكاً شخصياً.. يتباهى به، بل يضعه في خدمة مجتمعه وفي خدمة أمته.. يضع معارفه على هيئة كتب.. ومقالات.. وندوات.. ومحاضرات.. ومنتديات ثقافية..
يفعل ما يفعله دون ضجيج.. دون انتظار جزاء.. ودون توقّع تكريم..
وأحسب أن هذا، دوماً، شأن (الرجل النهضوي).
في فكر راشد المبارك مدماك أساسي يتجلَّى في كل ما يكتبه ويقوله وهو التسامح.. بكل تجلياته وأطيافه وأبعاده..
أحسب أن أجندة راشد المبارك، ما ظهر منها وما بطن، تحتوي على مادة واحدة هي التسامح.. وأحسب أن هذا، دوماً، شأن الرجل النهضوي..
لرجل النهضة هذا أقول: مرحى مرحى!
وأقول: شكراً من الأعماق!
وأدعو: أكثر الله أمثالك!
وهذا أضعف الإيمان!
** ** **
من ملف المجلة الثقافية عن الفقيد - عدد 102 4/6/2007م
- غازي القصيبي