أكدت القيادة السعودية من عهد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز رحمه الله ومروراً بمن خلفه من أبنائه ملوك الدولة رحمهم الله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- أكدت على ثلاثة محاور لاهتمامها، واعتبرتها منطلقات للحكم وللتنمية الشاملة. معتمدة على توجيهات ربانية ونبوية وخبرات وتجارب مكتسبة. وتتمثل هذه المحاور في الدين والوطن والشعب، إذ تضمن كل لقاء يجمع القيادة بالمواطنين عن قرب أو عن بعد التركيز على توزيع اهتمامها بهذه المحاور وبدرجات متكافئة، وسخرت الكفاءات البشرية والإمكانات المالية والفنية لخدمتها.
بدأت نقطة انطلاق هذا الاهتمام من لقاء بين عالم سياسة وهو الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى وعالم دين وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، وسارت قيادات الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة على خطى أسلافهم. مع مراعاة خبرات الماضي وظروف الحاضر وتحديات المستقبل. ويمكن سبب الاهتمام بهذه المحاور الدين والوطن والشعب لعوائدها الدنيوية الآنية والمستقبلية على مجالات التنمية فضلاً لعوائدها الأخروية. ويمكن التوضيح كما يلي:
الدين: هو مجموعة العقائد التي توضح بحسب معتنقيها، والإسلام هو أحد الديانات السماوية الذي يوضح علاقة الإنسان بربه ويتضمن العبادات وضوابطها وأحكام مخالفتها. وهو بهذا المعنى يمثل غذاء الفكر والمنطق والروح والسلوك والموجه لكافة تصرفات الفرد والجماعة والمجتمع. والإسلام هو الدين المسؤول عن توفير هذا الغذاء وتحقيق الضبط المرغوب فيه يقول عبد الله علوان: «فمن فضل الإسلام على البشرية أن جاءها بمنهاج شامل قويم في تربية النفوس وتنشئة الأجيال وتكوين الأمم وبناء الحضارات وإرساء قواعد المجد والمدنية.. وما ذاك إلا لتحويل الإنسانية التائهة من ظلمات الشرك والجهالة والضلال والفوضى إلى نور التوحيد والعلم والهدى والاستقرار». قال تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (9) سورة الإسراء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) [رواه مسلم]. وفي ضوء ما سبق فإن القيادة السعودية على مر عصورها جعلت الإسلام الدين الرئيس والرسمي في الدولة؛ لتحقيق عوائده، وعلى ذلك جاء التأكيد عليه في كل مناسبة سارة أو غير سارة.
والوطن: هو المكان الذي يرتبط به الإنسان ارتباطاً تاريخياً حيث الولادة والإقامة والمعيشة وطلب العلم والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، وإليه الانتماء، وهو الهوية التي تصنع الكيان وترسم الشكل والملامح، كما أنه العنوان منه البداية وإليه النهاية، وهو الحبيب الذي يحتويك في كل أحوالك فهو بمثابة الأم وإن كان ليس للأم مثيل، وبمثابة الأب وإن كان ليس للأب مثيل. ومبعث التفاخر عندما يتفاخر الآخرون بأوطانهم. لذا جاء تأكيد القيادة السعودية للأجيال الماضية والحاضرة على الاهتمام بالوطن في مراحله المختلفة: النشأة والتطور ومواجهة التحديات، كما أنها جندت الإمكانات للتخطيط لمستقبل الدولة والأجيال اللاحقة.
والشعب: هو مجموعة أفراد وجماعات تتوزع إلى قبائل، تعيش في مجتمع واحد، وتخضع لنظام اجتماعي محدد، ولها ثقافة متفق عليها، ولديها اهتمامات وحاجات وتطلعات مختلفة في النوع متفقة في الهدف، والتسمية الشائعة هي المواطنين. والمواطن الصالح له سمات متفق عليها لدى أهل الاختصاص كالانتماء والولاء للدين والقيادة والمشاركة الفاعلة في تنمية الوطن وتمثيله على خير وجه. وقد عبًر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبه لمكة المكرمة قائلاً (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله ولولا أني أٌخرجت منك ما خرجت) [رواه الترمذي]. كما عبًر عن حبه للمدينة المنورة ودعا لها فقال (اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارها وفي مدنا وفي صاعنا بركة مع بركة) [رواه مسلم].
وقال أبو فراس الحمداني:
بلادي وإن جارت عليً عزيزة
وأهلي وإن جاروا عليً كرام
وعليه اكتمل عقد الاهتمام الرسمي بالمواطن. لذا جاء تأكيد القيادة السعودية على قيمة المواطن وأهمية مشاركته في إدارة وطنه.
ومن أقوال الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله عن هذه المحاور «أنا قوي بالله تعالى، ثم بشعبي. وشعبي كلهم، كتابُ الله في رقابهم، وسيوفهم بأيديهم، يناضلون ويكافحون في سبيل الله. ولست أدعي أنهم أقوياء بعددهم أوعُددهم، ولكنهم أقوياء إن شاء الله، بإيمانهم». و»كل أمة تريد أن تنهض، لابد لكل فرد فيها أن يقوم بواجبات ثلاثاً.. أولها واجباته نحو الله والدين، وثانيها واجباته في حفظ أمجاد أجداده وبلاده، وثالثهما واجباته نحو شرفه الشخصي». و»إن خدمة الشعب واجبة علينا، لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم الشعب ويخلص له فهو ناقص. و»كل فرد من شعبي جندي وشرطي. وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أفضل نفسي عليهم، ولا أتبع في حكمهم، غير ما هو صالح لهم». و»اثنتان، أحمد الله على واحدة منهما وأشكره على الأخرى. أحمد الله على أني أكره أهل الضلال، وعلى كراهة أهل الضلال لي، وأشكره على محبة أهل الخير لي، ومحبتي لهم».
وجمعت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله هذه المحاور التي ألقاها بعد أداء الحكومة الجديدة القسم، إذ قال «من المؤمل في وزرائنا وأمراء مناطقنا الخير إن شاء الله، وهم من جذور هذه البلاد التي وحدها الله ثم الملك عبد العزيز على كتاب الله وسنة رسوله، الحمد لله تنعم بالأمن والرخاء والاستقرار والوحدة في القلوب». وأضاف «والمملكة قبلة المسلمين حجهم وعمرتهم وزيارتهم ومهبط الوحي في مكة والمدينة، الحمد لله في أمن واستقرار، نحمد الله عليه، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا شكر نعمته، وإخلاصنا لبلدنا وشعبنا هذا هو الشيء الذي تربينا عليه من عهد ملوكنا السابقين منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وآخرهم الملك عبد الله، الله يغفر له ويرحمه، توصيته دائما لي خدمة مواطنينا وديننا قبل كل شيء». وأكد خادم الحرمين «الحمد لله هذه الدولة منذ وحّدها الملك عبد العزيز إلى عهدها الجديد وهي كما ترون في أمن واستقرار وهي منذ أسسها محمد بن سعود قامت على الإسلام والعقيدة الإسلامية، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا شكر نعمته وأن يوفقنا جميعا لخدمة ديننا وبلادنا وشعبنا».
ومهما شكك الحاقدون على بلادنا وما أكثرهم في اهتمام قيادتنا بالدين والوطن والمواطن تبقى الأدلة والقرائن شاهدة وحاضرة متى ما احتاج إليها الإنسان السعودي. ومن نواتج هذا الاهتمام أن بلادنا واحة أمن واستقرار ورغد عيش وتحيط بها فتن من كل اتجاه. حفظ الله المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً، ورحم الله من مات مدافعاً عن هذه المحاور وخادماً لها.