مضى العام الهجري 1435هـ.. وطويت صحائفه.. وسعد به من سعد... وخسر به آخرون.. فالذين سعدوا به أناس وفقهم الله إلى الخير واستغلوا أيامهم ولياليهم في طاعة الله.. وحافظوا على ذلك ولم يفرطوا في شيء من وقتهم.. وكانوا يعدون لكل شيء عدته ويحسبون حسابه.. آخذين في اعتبارهم الحكمة المأثورة القائلة (الوقت من ذهب) لهذا حافظوا على أوقاتهم واستغلوا بها في طاعة الله.. إلى جانب كفاحهم وسعيهم المحمود في هذه الحياة.. من أجل الحصول على الكسب الحلال الذي يتمكنون به من إعالة أهلهم وأسرهم التي كلفوا برعايتها والحدب على راحتها.. وهذا العمل والسعي مطلوب تمشياً مع نص الحكمة القائلة: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
فهذه الفئة السعيدة من البشر جمعت لنفسها خيري الدنيا والآخرة.. ولذا نجدهم بعد نهاية كل عام وعند بداية العام الجديد يقفون وقفة خشوع وتذلل لله سبحانه وتعالى.. وهم لا شك يقفون هذا الموقف في كل وقت... لكن في نهاية العام وبداية العام الجديد.. نجدهم يقفون موقف الكسير الذي يتحسر على فقدان عام مضى من عمره.. يتحسر على هذا العام الذي انصرم ويتأسف على فقدانه.. واصفاً نفسه بالتقصير والتفريط.. ويود لو أنه زاد من عمل الخير والطاعات.. لأن هذا العام قد انتهى وطويت صحائفه.. وفي الوقت ذاته يرفعون أكف الضراعة إلى الله داعين ومبتهلين بأن يجعل هذا العام الجديد عام خير.. ورشد وصلاح ونصر للإسلام والمسلمين... هذه بعض أعمال صفات الناس السعداء الذين يهديهم الله إلى طرق الخير والصلاح.. واستفادوا من وقتهم.. فهنيئاً لهم بما قدموا من أعمال صالحة. أخي المسلم: لابد من الوقوف في نهاية كل عام للمحاسبة والمكاشفة ومعرفة نتائج أعمال الماضي وما كانت حصيلتها.. والنتائج الإيجابية التي سجلها المرء في صحائفه..
لأننا نرى ونلمس عن قرب ونقرأ على أعمدة الصحف الميزانيات العمومية وحساب الأرباح والخسائر المادية التي تقوم بنشرها الشركات والمؤسسات التجارية على اختلاف طبيعة تكوينها وحجم أعمالها.. ومن هذه الميزانية يقف كل عضو أو مساهم على نتائج أعمال الشركة أو المؤسسة وحجم الأرباح والخسائر بها.. ومن ثم تشكل لجان لدراسة وتقييم أعمال المؤسسة أو الشركة لتلافي ما قد حصل من تجاوزات أو مبالغة في حجم المصروفات الإدارية بهدف الوصول إلى رفع نسبة الأرباح.. هذا شأن المؤسسات المالية..
فما أحوجنا أخي المسلم إلى محاسبة النفس ومراجعة حساباتنا.. فنعمل على زيادة أفعال الخير والبعد عن الأعمال الأخرى المنافية لذلك.. والتي تشكل أعباء بل وخسائر في صحائفنا.. تؤثر بالتالي على المحصلة النهائية لصافي الأعمال.. أو صافي الأرباح غير المادية -طبعاً- وإنما الأرباح والأرصدة الخاصة التي تبقى لك في آخرتك من الأعمال الصالحة.. والتي تجني ثمارها وحدك لا يشاطرك فيها أحد من أقرب المقربين إليك من والد أو زوج أو ولد.. إنها لك وحدك...
فسارع أخي المسلم هداني الله وإياك إلى سبل الخير سارع إلى محاسبة نفسك عن العام الماضي.. فما كان قد تم فيه من أعمال وأفعال صالحة.. فاحمد الله على ذلك.. واجتهد في مضاعفتها في عامك الجديد الذي سيطل عليك بعد أيام...
أما الفئة التي كانت لا تبالي بالأيام ولا بالشهور والأعوام.. فقد كانت في غفلة.. فينتهي عام ويدخل عام آخر.. ومن دون فارق ودون حساب اللهم إلا ما يقومون بتدوينه في سجلاتهم وأوراقهم لمعرفة وتسيير أمورهم الحياتية لمعرفة ما لهم.. وما عليهم من حقوق والتزامات مالية.. وكذا تحديد فترات وأمكنة قضاء إجازاتهم وعطلهم فيها من أصقاع الدنيا وهكذا.. وهكذا..
هذه الفئة من الناس تسعى جاهدة لجمع المال ومضاعفته.. وإلى التفاخر والتباهي بما لديها من أموال وما تعيش فيه من بحبوحة من العيش أو الجاه أو هما معاً... غير مدركة لما هو مطلوب منها القيام به من واجبات وأعمال.. فهذه لا شك في غفلة من أمرها...
نسأل الله لنا ولها الخير والصلاح.. وأن يبصرنا جميعاً إلى ما يسعدنا.. ويصلح أمورنا في الدارين.. لنسعد مع السعداء.. ولنحظ بالفوز والمغفرة والرضا من الله سبحانه وتعالى فما أحوجنا ونحن نودع عاماً مضى..
ونستقبل عاماً جديداً أن نحاسب أنفسنا محاسبة دقيقة.. فنحمد الله على ما كان حصل منا من أعمال صالحة ونندم ونتأسف على ما ارتكبنا من تقصير في حق أنفسنا أو حق غيرنا.. فنسأله تعالى أن يتجاوز عن تقصيرنا ويغفر خطايانا ويلهمنا طريق الخير والصلاح.
أخي المسلم تذكر وأنت تستقبل العام الجديد.. تذكر الأطفال الذين انتقل عائلهم وولي أمرهم إلى رحمة الله وأصبح أطفاله وأسرته في حاجة إلى من يتولى شئونهم..
تذكر الأرامل الضعفاء والمساكين.. تذكر العجزة والمعوقين.. تذكر أن متطلبات الحياة كثيرة.. وأن الأسعار مرتفعة وأن الفقر كاد أن يكون كفراً فهل مسحت دمعة طفل فقد والديه أو أحدهما؟ وهل ساعدت على إقالة عثرة سجين قهرته الديون وذلته..؟!
وهل تحسست وتلمست حاجة قريبك أو صديقك أو جارك أو الساكن بالقرب منك أو في حيك أو مدينتك وقمت بدفع ما يساعده على تحمل أعباء الحياة؟
تذكر هذه الأمور وغيرها من أعمال الخير والصلاح والإحسان.. وأعلم أن الله سبحانه وتعالى وعد المنفقين بالخلف.. والرزق الواسع.. كما وعد الممسكين بالتلف والخسران...
اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا وتجاوزنا فيما ارتكبنا من أخطاء في عامنا الماضي وارفع درجاتنا.. وتجاوز عن سيئاتنا.. وبارك لنا في عامنا الجديد واجعله يا ربي عام خير وبركة.. ووفقنا والمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين إلى فعل الخيرات.. وتجنب المنكرات وتطبيق شرعك القويم.. اللهم أعنا على ذلك.. ووفقنا إلى طريق الخير والرشاد.
وكل عام هجري والجميع بخير.
- عضو مجلس منطقة الرياض