إنهم يخشون من هذا الإقبال منقطع النظير للدخول في الإسلام، فالإحصاءات رغم مكائدهم في ازدياد، لكننا في المقابل نجد من هو منا ويتكلم بلساننا وللأسف الشديد من ينساق وراء تسميات مفتعلة ومدبرة، من (إسلام راديكالي)؛ متشدد، و(إسلام سياسي) وغيرهما، والإسلام واحد! كان الأولى أن يوسموا بالصفة التي تدل عليهم حزبية كانت أو جماعية - نسبة للجماعات المتطرفة - لكشف زيف ادعائهم الانتساب للإسلام، المبرأ مما يقترفون من موبقات. لقد بلغوا حداً صار الطغاة والمجرمون فيه ينفّرون من هذا الدين العظيم, دين السماحة والرحمة والسلام, بمسميات كان آخرها وليس الأخير «الإسلام فوبيا»!! لكل مرحلة اسم فضفاض.
خوف ورهاب!! ممَّ إنه المكر الكُبار. الإسلام دين الوسطية والاعتدال لو كانوا يعلمون، لكنه تعبير أجوف عن عدم الرضا {وَلَن تَرْضَى عَنكَ}، {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء}، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} هم يستغلون، بل يستثمرون أفعال الطائشين ممن تلبّسوا بلباس الدين لمصالحهم الدنيوية, ووفقاً لأجنداتهم العنكبوتية - بل هي أوهى من ذلك- لمزيد من الكيد, ومزيد من التشويه, ومزيد من الاحتقان ضد المسلمين. يقول الرسول «ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذليلٍ عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر» الصحيحة 1/ 33
أي شيء أعظم إساءة للإسلام من هذا الذي يفعله الخوارج بأفعالهم النكراء جراء تقوقعهم ضمن مفاهيم منغلقة لا تقيم وزناً لما قد يترتب على تهوراتها الرعناء من نتائج. أصحاب التوجهات العنصرية القميئة في الغرب - اليمين المتطرف- والشرق سيجدون في مثل جريمة الصحيفة الباريسية أكبر مسوغ لمواصلة تهجماتهم وإساءاتهم.
ألم يقل سلف الخوارج ذو الخويصرة للنبي وهو أعدل الخلق والمبعوث من ربه رحمة للعالمين: اعدل يا رسول الله، فقال له النبي: «ويلك من يعدل إذا لم أعدل!» وقال الآخر: اتق الله يا رسول الله، فقال النبي?: «ويلك أوَلست أحق أهل الأرض أن يتقي الله» ثم قال: إنه يخرج من ضئضئ - جنس- هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما بمرق السهم من الرميّة. قال أظنه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود» صحيح البخاري ومسلم.
وفي رواية للبخاري عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله? حديثاً فوالله لأن آخر من السماء أحب إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة, وإني سمعت رسول الله يقول: «سيخرج قوم آخر الزمان حداث الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما بمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة».
الذين ينظرون من زاوية واحدة ضيقة، والذين يكيلون بمكيالين, وأصحاب الأطماع والنوايا البشعة, لو كانوا صادقين ويقدرون النصح من أهل الحكمة والرزانة, أين هم من تحذيرات قائد حصيف يستشعر خطر امتداد هذه العاصفة الرعناء والريح المدوية وشدة خطورتهما، لكن ما من مجيب!! مواجهة التحديات المحدقة تستوجب الصدق أولاً مع النفس وتقدير حجم معاناة المتلظين بنارها، لا الانتظار حتى تحل بدارهم أنفسهم ويكتووا بنارها. أين هذا العالم من سماع صوت الحق منادياً ومحذراً من تنامي هذا الطوفان الآثم, مرة بعد أخرى عبر نداء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله- في مدريد وصفق له الزعماء و القادة الحاضرون - واقفين- طويلاً وفي الرياض عند لقائه السفراء الأجانب المعتمدين أخيراً.
لقد استبسل المفسدون في التعجيل بزرع فوضاهم لتقطيع أوصال العالم العربي, واستنفر المخربون والانتهازيون متذرعين بالجهاد لنيل نصيبهم من الكعكة الملطخة بالدماء والأشلاء والخراب في مشاهد يعجز اللسان عن التعبير مدى فداحتها وشناعتها وإجرامها.
لغة الجهاد يجيد نظم حروفها
رجل إذا نزل ابتلاء ينجح
ويلوذ بالله العظيم ويرعوي
عن غيه لا يستبد ويجمح
لقد ثبت أن المرض الخبيث في جسد الأمة كما شخصه العارفون ببواطن الأمور قديماً وحديثاً «باطني» «خوارجي «انهزامي» من الداخل, وأما من الخارج فهو «عدائي» «أطماعي» «تآمري». الأنكى والأمر أن ترى مشعلي جرائم الحرب ومرتكبيها في حق الأطفال والنساء والعزل من المدنيين في فلسطين بأفتك الأسلحة براً وبحراً وجواً ينددون بالإرهاب زيادة في التعتيم والتلبيس واهتبالاً، للفرص التي يهيئوها الخوارج على أطباق من خزي وذل، ليس هذا فحسب، بل وكسباً لتعاطف الرأي العام الغربي. لسان حال هؤلاء القتلة المجرمين يقول: خلا لك الجو فزيدي خلطاً للأوراق وتعقيداً للإيهام بأن إرهابنا مختلف أنه دفاع عن النفس -زعموا- الذين جعلوا من دول كانت لها كيانات خراباً بلقعاً، بتفكيك وحدتها الوطنية وإلغاء العدالة الاجتماعية شيئاً فشيئاً ليعم الدمار، هم الذين يحركون هذه الدمى البلهاء - علموا ذلك أم جهلوا - لتحقيق مصالحهم المتقاطعة. كل جعل من الآخر مطية يصل بها إلى هذه الأهداف المشبوهة، ضاربين بالقيم والشعارات البراقة التي طالما رفعوها عرض الحائط.
فليعلموا أن مأرز الإيمان والتوحيد، المملكة العربية السعودية، عصيّة بأمر الله على النيل منها ومن أمنها واستقرارها بفضل اعتمادها على الله وحده أولاً فـ{لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ} ثم بهذا التلاحم الذي نراه صفاً واحداً في هذه الأوقات العصيبة أوضح ما يكون. ها نحن نرى الجميع كباراً وصغاراً شيباً وشباناً رجالاً ونساء يعبرون أصدق تعبير عن ولائهم ووفائهم وانتمائهم وحبهم لدينهم وقيادتهم ووطنهم، بالوعي لما يتهدده من أخطار. إنهم يستشعرون عظم الأمانة في عنق كل فرد من أفراده, فكل على ثغر, فهو وطن ليس كالأوطان وكفى.
أوَليس المواطن رجل أمن يدافع عنه مثلما يدافع عنه جنودنا البواسل ويفتدون كل شبر من ثراه بأرواحهم. أختم بهذه الأبيات المعبّرة عن هذا التلاحم للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي..
يا بلادي أنت ينبوع الهدى
مهبط الوحي مأوى من أناب
دمنا الغالي فديناك به
خير من يفدى وأغلى من يجاب
قال الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}، وقال النبي?: «إنما القوة الرمي».
فهي بالسنان عند الذب عن حياض الإسلام في مدافعة الأعداء ووسائلها المعاصرة التقنية العسكرية، وهي بالقلم واللسان ودعائمها التنشئة التعليمية والتقنية الإعلامية.