اليمن المضطرب آنياً لم يأت اضطرابه هذا مع هبوب رياح الربيع الإخواني، بل الاضطراب حاصل على مدى بعيد ويكفي أن نستعيد خمسين عاماً مضت لندرك أن ما يجري الآن حصل تماماً وبتطابق كامل في العام 1962م، فاليمن يعيش باستمرار على الفوضى السياسية ويمارس الانقلابات الكبرى تحت عناوين (مخادعة) للرأي العام ولكن الذين يمارسون العبثية السياسية يدركون تماماً ماذا هم يصنعون باليمن..
إذا كان المحيط الإقليمي يبحث عن دور فعال في تجنيب المنطقة موجة مكررة من المشهد الدامي في العراق وسوريا فإنه قادر على ذلك بحسم الإقليم خياراته نحو تجنيب اليمن والمنطقة هذا المشهد، والإقليم وعلى رأسه المملكة العربية السعودية ما زالت تمسك بخيوط سياسية مهمة في وسط المعمعة اليمنية الحاضرة، وهذا الرأي يرتكز على دلائل أهمها أن اليمن الذي عاش هذا الصراع منذ 1962 وحتى 1967م انتهى بتوافق إقليمي بين الرياض والقاهرة عندما كان حصار السبعين للعاصمة صنعاء بين الملكيين والجمهوريين، وجاء الحل من الإقليم ولم يأت من داخل اليمن، كذلك حدث في 2011م مع ما يسمى ثورة التغيير التي انتهت إلى مواجهة مسلحة مفتوحة في معركة الحصبة بالعاصمة صنعاء ليأتي الحل مرة أخرى من الإقليم الذي قدم مبادرة خليجية بوصفة سعودية لتخرج نحو حلحلة في مواقف الأطراف المتصارعة.
البحث عن حل في ظل هذه التعقيدات يمكن متى ما وجد الطرف الإقليمي الأجواء المناسبة لتحقيق حلول موضوعية تنهي فعلياً التأزم السياسي اليمني وفقاً لما تمليه المصالح الإستراتيجية الكبرى لدولة كالسعودية وكمنظومة كالدول الخليجية، وهنا لا بد وأن ننظر إلى الخارطة من أعلى لندرك بأن الطرف الإيراني الذي (يكاد) أن يحكم سيطرته على مضيق هرمز في الخليج العربي (يوشك) أن يسيطر على مضيق باب المندب، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يتجاوز أدوات الصراع المذهبية والتي يسوقها الأطراف المتصارعين في اليمن من أجل ابتزاز الإقليم للدخول في مستنقع آسن.
النظر إلى المشهد بهذه العين يغني عن التورط في الاشتباك السياسي الحاصل بين قوى النفوذ المتخاصمة على السلطة السياسية في صنعاء، وهذا يأخذنا إلى أن نعترف بأن التدخل الخليجي الذي كان مع المبادرة الخليجية لم يراع أن الأزمة اليمنية هي أزمة مركبة قاعدتها الأساسية عميقة بعمق القضية الجنوبية والتي أسست حقيقة لواقع سياسي قام على انتصار شمال اليمن هي أزمة مركبة قاعدتها الأساسية عميقة بعمق القضية الجنوبية التي أسست حقيقة لواقع سياسي قام على انتصار شمال اليمن في حرب صيف العام 1994م، وهنا بدأت أعمق المعضلات السياسية يمنياً، حيث إن النظام اليمني تعامل مع الجنوب برغم الأزمة الكبيرة التي تأكدت في 1997م ليهرب من مواجهتها ليدخل في خلق مشاريع أخرى غايتها هي من خلال تنظيم القاعدة الإرهابي الذي كان ومازال أداة من أدوات أطراف النزاع اليمني وبشكل مباشر الرئيس السابق علي عبدالله صالح والجنرال الإخواني علي محسن الأحمر.
الدول الخليجية أرادت من خلال مبادرتها نزع فتيل حرب واسعة في صنعاء، ومع ذلك فإن الحاجة اليوم لتدخل سياسي من الإقليم تجاه العمل على -تبريد الصفيح اليمني- إن شئنا توصيفاً وذلك عبر فرض مبادرة أخرى تفرض على صنعاء إطاراً كاملاً لحل سياسي موضوعي يبدأ من مصالح الإقليم في اليمن، وعليه فإن تأمين مضيق باب المندب وتجفيف منابع الإرهاب تحتم تدخلاً فاعلاً في عمق النزاع اليمني عبر إجراءات تعالج القضية الجنوبية سياسياً بمخاطبة ممثلين شرعيين لها، وإيجاد صيغة توافقية تشمل الأطراف السياسية اليمنية عبر فترة انتقالية برعاية إقليمية مباشرة ودقيقة وإبعاد الممثل الأممي الذي تحول إلى جزء من المشكلة بدلاً من أن يكون جزءاً من الحل.
نعي أن الحوثيين لن يستطيعوا السيطرة على حكم اليمن، فلا يمكنهم تأمين احتياجات الشعب الضرورية، ولا يمكن لإيران أن تواصل دعمها لبلد يعيش على معونات كانت تتكفل بها دول الخليج، كما أنه سيجد -الحوثيون- عدم قبول من فئات واسعة من الشعب في مناطق الكثافة الشافعية في اليمن وكذلك في ثلثي مساحة اليمن جنوباً، هذا الواقع يصعب من الموقف السياسي للحوثيين ولكل الأطراف الأخرى، وبهذا يبقى التدخل ممكناً وصالحاً لإخراج اليمن بطرفيه الشمالي والجنوبي من أزمة توشك أن تتحول إلى عراق جديد أو سوريا جديدة.
- هاني سالم مسهور