الآن قال: فؤادُ الشاعرِ الآنا
غادر فشوقُ رَسُولِ الله أضنانا
واحمل على كتفِ المعنى قصائدَ مَن
إليه هامَ المدى حُبّاً وتِحنانا
أطلق قوافيكَ دمعاً حول مسجدِهِ
واسكب لَه مِن عبيرِ الحبِ أمزانا
فمن أحبَّ رسول الله ما عرفتْ
دُنياه هماً ولا غماً وأحزانا
يا شِعرُ وانقل صلاتي والسلام على
مَن كان يمشي على الغبراءِ قُرْآنا
يظلُ يشعرُ بالتقصيرِ مادحُهُ
حتى ولو قال في الممدوحِ ديوانا
ولستُ إلا مُحِباً جاء يمدحُ مَن
يزدادُ مادِحُه بين الورى شانا
وقد مدحتُكَ كي أرقى بها أبداً
رُقي أشعر أهل الأَرْضِ حسانا
*****
يا شِعرُ واذرف دموعَ الحزنِ في علمٍ
رحيلُه أحزنَ المسعى وأبكانا
وأحزنَ الأرضَ أرضاً لا تزالُ على
عهدِ السَّمَاءِ بها رَوْحاً وريحانا
أرضاً بنى الله فيها بيتَه ألقاً
بهاؤه كم هدى شِيباً وشبّانا
فكان أول بيت سقف رحمتِهِ
في الأَرْضِ يحملُ أبواباً وأركانا
عزَّيتُ فيه مِن الأنوارِ أقدسها
سِرَّاً فقبَّلني سِرَّاً وإعلانا
طافتْ به الروحُ فازدادَ المدى ظمأً
وغادرَ العاشقُ الروحي ظمآنا
*****
عزَّيتُه وطن الدنيا بِرُمَّتِها
مِن قبلِ أنْ تعرِفَ الأوطانُ أوطانا
يعانقُ الحرمين النورُ مفتخراً
بأنَّه صار للتوحيدِ برهانا
وأنها راية الإسلام رايتُه الـ
خضراء خفَّاقة أمناً وإيمانا
وأنَّ عبد العزيز الصقر وحَّدَها
على أنوفِ العِدى أرضاً وسُكَّانا
وأنَّها ستقودُ الأرضَ ثانيةً
بقادة عانقوا التاريخَ شُجعانا
واليوم إنْ غابَ عبد الله قائدها
فإنَّها بايعتْ بالحُبِّ سلمانا
سلمان مِن بعد عبدالله فارسها
يقودُ مِن خير أسد الأَرْضِ فرسانا
*****
يا راحلاً ودّع الدنيا وما عشقتْ
سواكَ بين بني الإنسان إنسانا
قالت: حوارُ حضاراتي على يدهِ
كم كاد أنْ يجعل الأعداءَ إخوانا
كم كانَ بالخير عملاقاً ويجمعُ في
أفعاله مجدَ عدنان وقحطانا
شهمٌ كريمٌ حكيمٌ نورُ حكمتِهِ
في الأَرْضِ صيَّرَه في النَّاسِ لقمانا
*****
يقومُ أقدسُ بيتٍ فوق أرضِكَ يا
مَن زاد بنيانَه الروحي بنيانا
وسَّعْتَه الحرم المكي توسِعةً
عملاقة صَيَّرَتْ مسعاه ميدانا
وكلها مكة في عهدكَ ازدهرتْ
وكل ما لم يكن في عهدكم كانا
وفي المدينة نفسُ الازدهار بدا
على ملامحها علماً وعُمرانا
يا مَن حفظتَ لأهلِ العلمِ هيبتَهم
حتى غدوا فوق هام السحبِ تيجانا
دعمتَ كل مجالات العلوم لكي
تبني لأمَّتِكَ السمحاء أذهانا
وكنتَ تدعم مضمار الرياضة كي
تبني عقولاً سليماتٍ وأبدانا
وجدتَ بالخير في كل الجهاتِ وكم
أضحيتَ للكرم الطائي عنوانا
*****
يا راحلاً ملأ الدنيا بحكمتِهِ
وجودِه وغدا لِلنَّاسِ رُبَّانا
ترعى اليتيمَ وترعى كلَّ أرملةٍ
وكل مَن بهم الرحمنُ أوصانا
هذي بلادُكَ تحيا في رفاهيةٍ
أدامها الله أزماناً وأزمانا
يا مَن يوفر للمحتاج حاجته
وفوقها ويسوقُ الخير ألوانا
وشعبُه في نعيمٍ من تبوك إلى الدْ
دَمام أم القرى جازانا نجرانا
كم عاش في عهد عبد الله في رغدٍ
مباركٍ ما اشتكى فقراً وحرمانا
مناقبُ الخير لا تحصى ويعجزُ مَن
يسعى إلى حصرها عَدًّا وميزانا
أتعبتَ مَن يكتبون الخير وانكسرتْ
أطرافُ أقلامهم عجزاً وإذعانا
*****
يا راحلاً تدهشُ الدنيا مواقفُهُ
كم آزر الأهل في درعا وفي قانا
لبنانُ لولاك ما حُلتْ مشاكلهُ
وما رأى الشعبُ في لبنانَ لبنانا
وما جرى النيلُ في السودان ثانيةً
ولم تعانق بنيها أم درمانا
يا مَن رعى لفلسطين تصالحها
وَمَنْ رعى لبني كنعانَ كنعانا
وهذه يدك البيضاء مِن عدنٍ
تمتد بالخير حتى أرض وهرانا
وفي العراق وفي مصر لها أثرٌ
وتشملُ الشامَ بيروتاً وعمَّانا
يا مَن يجودُ على الدنيا بثروتهِ
ويكفلُ الكل إخواناً وجيرانا
وكم تبنى قضايا المسلمين وكم
أدوارُه أطفأتْ للشرِ نيرانا
*****
النَّاسُ حولكَ أولادٌ وأنتَ أبٌ
نوالُه يجعل المحتاجَ فرحانا
الله خصَّكَ بالخيراتِ في بلدٍ
سبحانَ مَن خصَّه بالخير سبحانا
تجبى له ثمراتُ الرزقِ مكرُمَةً
بيضاء جادتْ له بالخير أطنانا
كان الشتاء على الدنيا يغلِّفُها
وفيه ما فِيه حتى كُنتَ نيسانا
*****
ما خصَّكَ الله بالبيت العتيق وما
أحال أرضك بالخيراتِ بستانا
وما ذُرى عرفاتٍ في ثراكَ وما
منى ومزدلف رَوضاً ورضوانا
وما الجمارُ وما أنفقتَ في يدها
وما الحجيجُ دعا عفواً وغفرانا
إلا لأنَّكَ قد أكرمتهُم كرماً
وجُدتَ جوداً كعثمان بن عفانا
*****
مواقفُ اليمنِ الميمونِ يذكرها
لكم بنوه فَلَولاكم لما كانا
فكيف ينسى أصيلٌ خير مَكْرُمَةٍ
تفوقُ مَقْدِرة الأذهان نسيانا
وقوفكم معنا في أزمة طحنتْ
بلادنا وسقتنا الويل كيزانا
دَيْنٌ على عُنقِ الأجيالِ تحملُهُ
عَبْرَ الزمانِ لكم شكراً وعرفانا
دَينٌ سينقُشُه التأريخ في جُمَلٍ
مِن نورِ نورِكَ وشماً في محيانا
فاكتب عليها فقد أضحتْ مدامِعُنا
حبراً وأرواحُنا البيضاءُ حيطانا
*****
ستجمعُ المُلكَ في الدنيا وآخرةٍ
وتستوي في جنانِ الخُلدِ سُلْطَانا
وكيف للشِّعرِ أنْ يحصي مناقبَ مَن
لولاه ما أصبح الإحسانُ إحسانا
الحارث بن الفضل الشميري - اليمن - صنعاء