نظم جناح المملكة ضيف الشرف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والأربعين ندوة تحت عنوان «الاكتشافات الأثرية في المملكة العربية السعودية» وشارك فيها كل من الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي عضو مجلس الشورى عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، والدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذييب أستاذ الآثار والمتاحف بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، وأدار الندوة الدكتور محمد حمزة إسماعيل أستاذ الآثار بالجامعات المصرية وقال الدكتور سليمان الذييب: إن المملكة ينتشر فيها عدد كبير من المواقع الأثرية التاريخية التي تدل على قدم وعراقة الحضارة في الجزيرة العربية، التي تروي أروع القصص عبر العصور التاريخية المختلفة, حيث تمتلك المملكة إرثاً حضارياً عريقاً موغلاً في القدم يمتد منذ العصور الحجرية القديمة مروراً بالعصور التاريخية قبل الجاهلية والإسلامية، بالإضافة إلى التراث العريق للمناطق المزدهرة حضارياً وعمرانياً والمتمثلة في القصور والحصون والقلاع والمنشآت العسكرية والدينية القديمة والصناعات اليدوية والمقتنيات الأثرية وتعرض الذييب في مستهل كلمته إلى البعثات والاكتشافات الأثرية التي بدأت متأخرة في المملكة مقارنة بباقي الأقطار العربية، مشيرًا إلى أنه في عام 1983هـ صدر المرسوم الملكي بتأسيس هيئة الآثار في المملكة، لافتاً إلى أن البعثات الأجنبية بدأت بالتوافد على المملكة منذ عام 1958م؛ حيث قامت بعثة دانماركية من ثم مجموعة من البعثات الأجنبية التي ضمت باحثين للآثار من بعض الدول الأوروبية والتي أخرجت خمسة مجلدات تتحدث عن آثار المملكة؛ مؤكداً أن الباحث الكبير عبدالله المصري هو أول من بدأ عملية المسح الأثري في المملكة العربية السعودية.
وأضاف سليمان أن المملكة تتمتع بآثار عريقة وكبيرة، وهذه الاكتشافات تدل على وجود حضارة وتاريخ وحالة اقتصادية متقدمة في البلاد قديماً كما تم اكتشاف سبعة مواقع تنتمي لفترة ما قبل الإسلام، فضلاً عن اكتشاف 17 موقعاً خلال الفترة الإسلامية.
وتطرق الذييب إلى أبرز المواقع الأثرية في المملكة ومنها منطقة تبوك، التي تقع شمال غربي المملكة وتقع عند التقاء سلاسل جبال الحجاز فضلا عن أن منطقة تبوك تعد من أهم المناطق الشمالية التي ارتبطت بعلاقات حضارية بالمناطق القديمة مثل بلاد الشام ومصر وبلاد الرافدين، وهي منطقة غنية بالآثار المتنوعة مثل النقوش والرسوم الصخرية والكتابات القديمة، كما تحوي عدداً كبيراً من المواقع الأثرية والقلاع والقصور والأسوار والمعالم التاريخية لطريق الحج الشامي المصري؛ ومنها الآثار الباقية لمسار سكة حديد الحجاز والمحطة الرئيسية في مدينة تبوك واستعرض الدكتور الذييب مدائن صالح؛ وهي عبارة عن هضبة شاسعة تمتد فوق الأرض تكسوها الرمال بسوارٍ جبلي يأسر عين الناظر؛ ويجد الزائر نفسه داخلاً إلى مدائن صالح وسط سلسلة من الجبال المتشابكة والمنحدرات الصخرية، وقد ورد ذكر الموقع في القرآن الكريم بوصفها موطناً لقوم ثمود، وتعد مدائن صالح من أهم حواضر الأنباط بعد البتراء، ويعود أبرز أدوارها الحضارية إلى القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي مؤكداً أن بها أكثر من 150 مقبرة أثرية.
وأضاف الذييب أن الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية قد عثرت على آثار فرعونية في الجزيرة العربية تعود للقرن الثاني عشر قبل الميلاد بالقرب من واحة تيماء التاريخية الشهيرة (شمال) التي تعد من أكبر المواقع الأثرية في المملكة والجزيرة العربية، وتمثل الاكتشاف في نقش هيروغليفي على صخرة ثابتة بالقرب من واحة تيماء بمنطقة تبوك، ويحمل النقش توقيعاً ملكياً (خرطوش مزدوج) للملك رمسيس الثالث أحد ملوك مصر الفرعونية الذي حكم مصر ما بين (1192- 1160 قبل الميلاد). فضلاً عن اكتشاف حضارات إنسانية قديمة سكنت منطقة الحصمة في منطقة جازان وتحدث الذييب عن القلاع التي تم اكتشافها؛ وأبرزها قلعة الأزلم؛ والتي تعود إلى العصرين المملوكي والعثماني، وشيدت في عصر السلطان محمد بن قلاوون ثم أعيد بناؤها في عهد السلطان المملوكي قنصوه الغوري سنة 916 هـ، وقلعة المويلح؛ التي تقع إلى الشمال من مدينة ضبا على بعد 45 كم، ويوجد بالقرب منها لوحتان من الناحية الشمالية يرجع تاريخهما إلى العصر المملوكي، والقلعة يرجع تاريخها إلى سنة 968 هـ.
وأشار الذييب إلى حصن الأخدود أو القرية القديمة التي توجد في نجران (بقايا سور الأخدود وبعض القصور والنقوش التي تعود للقرن السابع قبل الميلاد), وهو من المواقع المهمة في الجزيرة العربية، وقامت وكالة الآثار والمتاحف بالتنقيب في الموقع منذ عام 1402 هجرية.
ومن جانبه، قال د. أحمد بن عمر الزيلعي إن الآثار في السعودية لم تكتشف إلا قريباً مقارنة بباقي الأقطار العربية، مؤ كداً أن هناك آثاراً تم اكتشافها في المملكة تعود إلى العصور الحجرية، وهناك آثار للعديد من الديانات الأخرى، مشيراً إلى اكتشاف الآثار في المملكة كان مفاجأة مذهلة للعديد من الباحثين، ولافتاً إلى أن هناك الآن أكثر من بعثة للاكتشافات داخل المملكة، حيث وفرت الحكومة السعودية المناخ الجيد لفتح الباب أمام الباحثين الآثريين، مؤكداً أن الآثار التي تم اكتشافها تدل على أن أرض المملكة كان محوراً في تغير العالم واستعرض الزيلعي عدداً من الآثار السعودية التي تم الكشف عنها مؤخراً، ومنها منطقة «الفاو» والتي كانت قرية عُرفت قديماً بذلك الاسم، ومكانها الآن عند نقطة تقاطع وادي الدواسر بسلسلة جبال طويق عند ثغرة جبل يطلق عليه الفاو, وتوجد بها أهم القرى الأثرية على مستوى الجزيرة العربية إن لم تكن على مستوى العالم وتجسد مثالاً حياً للمدينة العربية قبل الإسلام وتوجد بها مساكن, وطرق وأسواق, ومعابد, ومقابر, وآبار، إضافة إلى القنوات الزراعية وسط الجزيرة العربية.