ربط «كرياكو» وردة في جناح أحد أفراخ السمان. كان في تريضه الصباحي أمام البحر المواجه لـ(موتيل إيتاب)، حيث شباك الصيادين مرفوعة ومنتشرة بامتداد الساحل.. يلتصق بها المئات من طائره المفضل.. يراها تنظر إليه شاكية كأنها تطلب العون والخلاص.
لا يحب أن يرى طيراً أسيراً.. رق قلبه؛ وقام بتخليص البعض منها. رآه الصياد فنهره، وطلب منه الابتعاد؛ فهذا رزقه هو ورزق عائلته.. تفهم الخواجة دوافع الصياد، لكنه نزع وردة كانت في قميصه الأزرق، ودسها بين جسد وجناح السمانة (الباكية)، وعاد مهموماً ضائق الصدر.
لم ينفعه الهواء الذي دخل رئتيه عند البحر. شعر بأن صدره ينقبض لعدم استطاعته تخليص الطير من بين براثن الخيوط المتداخلة التي كونت حاجزاً بينه وبين هواء البحر. كانت زوجته ماريا قد أعدت الفطور على الطاولة (الزان) في (التراسينه)، تناول الطعام.
ارتدى بدلته المميزة.
ألقى عليها تحية الصباح، وعلى بائع الورد عباس، وأعطاه وردتين كعادته، وبديع المجنون، وعبد القوي بائع الفاكهة، وسيدة الكشك، وأم إسماعيل.
وغيرهم من سكان الشارع.
كل ذلك وهو في طريقه إلى امتداد (البازار) وناصية (أوجيني) لشراء سلطة الخضار.
فجأة توقف، ونظر إلى يساره، وإذا بعينيه تقعان على وردة ما زالت ندية، ترقد في قفص صبحي بائع السمان.
كانت ما زالت حية، وإذا بزبون يختارها، فيُخرجها صبحي، ويعتصرها بيده، ويمر بسكينه على رقبتها.
تساقطت الدماء والوردة. أخذ الوردة المخضبة بدمائها.. في طريق عودته دخل حديقة فريال، وفي ركن منها حفر حفرة، وضع فيها الوردة.
همس (لترقدي بسلام).. نظر في يده. ما زالت الدماء تغمرها، ترسم تفاصيل الزهرة البرية. (كان رجلاً رقيقاً). قص لي ما حدث.
شددت على يده معزياً. عاد لبيته مهموماً كصباحه، ولم يسلّم أبداً على صبحي، ولم يمر بجواره بعد ذلك حتى مماته.
- محمد يوسف