البيعة في اللغة مصدر بايع بيعة ومبايعة، وهي الصفقة على إيجاب المبايعة والطاعة، واصطلاحا: هي (إعطاء العهد من المبايِع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية، في المنشط والمكره والعسر واليسر، وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه).
قال ابن خلدون: «اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايِع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمور نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره»، وهي ميثاق يتضمن ثلاثة أطراف هم الإمام نفسه والقائمون بالبيعة أي الأمة، والمبايع عليه وهو الشريعة. ولا يشترط في البيعة مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحَل والعقد، قَالَ الْمَازريّ: «يَكفي في بَيعة الإمَام أَنْ يَقَع من أَهل الحَلّ وَالْعَقْد ولا يَجب الاسْتيعَاب, وَلا يَلْزَم كلّ أَحَدٍ أَنْ يَحْضرَ عنْدَه وَيَضَع يَدَه في يَده, بَل يكفي التزَامُ طَاعَته وَالانْقيَاد لَه بأَن لا يخَالفَه ولا يَشقَّ العَصا علَيه». وللبيعة درجتان:
الأولى: بيعة الانعقاد: وبموجبها ينعقد للشخص المبايع السلطان ويكون له بها الولاية الكبرى دون غيره حسماً للخلاف حول من يتولى الأمر، وهذه البيعة هي التي يقوم بها أهل الحل والعقد، ونموذج هذه البيعة ما تم في انعقاد البيعة للخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- فقد كان أهل الحل والعقد، يقومون باختيار الإمام ثم يبايعونه بيعة انعقاد أولية.
الثانية: البيعة العامة أو بيعة الطاعة: وهي بيعة عامة للكافة من الأمة، أي بيعة سائر الرعية للإمام، وهذا ما تم بالنسبة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد أن بايعه أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، ثم دعي المسلمون للبيعة العامة في المسجد، فصعد المنبر بعد أن أخبرهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- باختيارهم له، ومبايعتهم إياه، وأمرهم بمبايعته فبايعه المسلمون. وأهم شروط البيعة: أن تكون البيعة على كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قولاً، وعملاً، وعلى أن تكون على الطاعة ما دامت في الله، وفي غير معصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وصور البيعة إما بالمصافحة، عندما يكون المبايع رجلا، وإما بالكلام، إذا كان المبايع امرأة، كبيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما بالمكاتبة، كما كتب النجاشي للرسول صلى الله عليه وسلم يبايعه على الإسلام. وللبيعة أربعة أنواع: بيعة على الإسلام، وهذه تلزم كل مسلم ومسلمة، فمن نكثها فهو كافر. وبيعة على النصرة، كما حدث في بيعتي العقبة الأولى والثانية. وبيعة على الهجرة، وهذه انتهت بفتح مكة. وبيعة على السمع والطاعة، وهذه بيعة الإمام. وحكم من نكث البيعة أنه عاص لله مرتكب لكبيرة من الكبائر؛ لأنها نقض عهد، وقد توعد الله من نقض العهد. وقد عايشنا بيعة الانعقاد التي بايعها أهل الحل والعقد للملك سلمان بن عبد العزيز، ملكًا للمملكة العربية السعودية، وكانت مطابقة للبيعة الشرعية السابقة الذكر، ثم قام أمراء المناطق بالمملكة بأخذ بيعة الطاعة من المواطنين للملك سلمان بن عبد العزيز، وتوافد المواطنون من جميع المدن والمحافظات والمراكز للمبايعة في مشهد مؤثر يدل دلالة واضحة على ما تمتع به قيادتنا وشعبنا من تآخ وتآلف لا يمكن أن تجده في معظم بلاد العالم ويبقى سؤال يتبادر إلى أذهان الجميع، وهو: لماذا نبايع؟ والجواب عليه يتلخص فيما يلي:
1 - أن مبايعة المواطنين لولي الأمر يرجع أثرها وفائدتها عليهم أنفسهم، حيث إن بيعة الانعقاد لولي الأمر قد تمت بمبايعة أهل الحل والعقد من الأمراء والعلماء والفقهاء، أما مبايعة الطاعة من المواطنين فقد بين أثرها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». ففي هذا الحديث دلالة على أن المستفيد من البيعة هو الشخص المبايِع؛ لأن كل مسلم يرجو ألا يموت ميتة جاهلية.
2 - في مبايعة العامة لولي الأمر، المبايَع من أهل الحل والعقد، اقتداءٌ بسلفنا الصالح واقتفاءٌ لأثرهم المبارك.
3 - يعيش المواطن المبايِع لولي الأمر حاملا هموم أمته ووطنه، ولديه إحساس بأنه فرد مسلم فاعل ومؤثر. ولذلك كان الجميع من المواطنين يتمنون لو أن فترة المبايعة امتدت لأيام كثيرة لإعطاء الفرصة، للجميع، للحصول على هذا الفضل الكبير، وليشهد العالم الأنموذج الإسلامي الرائع للبيعة في الشريعة الإسلامية.