منذ سفري الأول إلى أمريكا في عام 1405 - 1985م لدراسة ميكانيكا الطائرات، كنت أستغرب وأتعجب حينما زرت بعضاً من المدارس الثانوية العامة وذلك من باب الفضول، للاطلاع وللتعرف على التباينات بين المناهج التي يدرسونها وما درسته أنا.
كان من حسن الصدفة أن هذه الثانوية قريبة من بيتي وكانت حديثة الإنشاء لم يتجاوز عمرها بضع سنين في ذلك العام. المبنى بحد ذاته لا يشعرك بأنك داخل مدرسة من التعليم العام، ولكنك كنت تشعر وأنت بداخلها وكأنك في كلية مجتمع أو كلية متوسطة. رأيت عدداً من الطلاب يقفون أمام شباك التسجيل فقادني فضولي لمعرفة ماذا يسجلون ولماذا لا يأخذون جدولاً معداً سلفاً وجاهزاً للعام الدراسي بأكمله على غرار النظام المعمول به في الثانويات في بلدي (المملكة العربية السعودية)، فإذا بهم يسجلون مواد محددة في مسار معين وتخصص يستطيع من خلاله الالتحاق بكلية تدرس المسار نفسه في إحدى الجامعات كانت هذه التجربة مستلهماً لي لكتابة مقالي هذا.
كثير هو الحديث والعتاب في وقت من الأوقات بين المنتسبين للتعليم العالي ووزارة التربية والتعليم على مدى سنوات، فهولاء يقولون إن المعلم ضعيف المستوى العملي وقد تخرج هكذا وعلى الجامعات أن تعيد النظر في مناهجها كي يكون المخرج العلمي النوعي قوياً، وفي الجانب الآخر كان المنتسبون للتعليم العالي يرون أن تأسيس الطالب في التعليم العام ضعيف جداً، وأنه يركز على الكم والشكل العام ولم يركز على الجوهر وعلى المخرج.
الفريقان كل يسأل: أيهما قبل «الدجاجة أم البيضة».
أما وقد صدر الأمر السامي الحكيم بضم التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة، فإنني ارتأيت أن من المناسب إعادة نشر ما كنت قد سبق وأن دونته في مقال لي أرسلته للصحيفة ولم تنشره، وإن أحسنت الظن بها، فلعلها ضاعت في زحام المقالات الأخرى المتدفقة عليها، وهي بنفس العنوان آنف الذكر أعلاه.
إذن كيف نحقق التآلف و التمازج بين هاتين الوزارتين بعد اندماجهما كي نصل إلى محصلة إيجابية تكون مخرجاتها مفيدة لبلدنا العزيز؟
وأجيب عن هذا التساؤل في النقاط التالية:
أولاً: معرفة مخرجات التعليم العالي وحصرها.
هنا لا بد أن تقوم وزارة التعليم بتشكيل لجنة عاجلة تمثل كل الجامعات السعودية، الحكومية الخاصة، لمعرفة الكليات والأقسام والتخصصات الدقيقة فيها والمسارات الفرعية.
ثانياً: إعادة توحيد المقررات والتخصصات المتشابهة وعمل مقاربة بين مقرراتها ومناهجها.
ثالثاً: إعادة ترتيب قبول الطلاب في التعليم العام حسب المراحل العمرية كالتالي:
الروضة (عمر 4 سنوات).
التمهيدي ( عمر 5 سنوات).
الابتدائي (من عمر 6 سنوات) في خمس سنوات.
رابعاً: تكون المتوسطة 3 سنوات
خامساً: الثانوية 4 سنوات.
سادساً: التركيز في المرحلة الابتدائية على علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية واللغة الإنجليزية وبعض المقررات التي تركز احترام الأنظمة وتحث على حب الوطن واحترام الآداب العامة والأخلاق والرياضيات.
سابعاً: في السنة الخامسة يدرس الطالب مبادئ في مناهج المواد العلمية بكافة فروعها تهيئة لدخول المرحلة الثانوية.
ثامناً: وفي مرحلة الثانوية أي بعد تهيئة الطالب في المرحلة المتوسطة تقدم له الفرص الدراسية المناسبة له للالتحاق بجامعات المملكة بحيث يختار الطالب المقررات اللازمة للتخصص الذي رغب فيه.
تاسعاً: تقوم الأقسام العلمية في الجامعات بالتواصل مع المسؤولين في التعليم العام لمراجعة تلك المقررات من حين إلى آخر.
عاشراً، إعادة هيكلة الخارطة التنظيمية لوزارة التعليم بحيث تتكون فروعها من عدة أقسام يندرج تحت كل قسم عدد من الفروع تغطي كافة احتياجات الوزارة. كما يجب التخلص من الأقسام غير الضرورية بين الوزارتين المدمجتين. وبشكل ارتأى أن الجسم الأساسي للهيكل التنظيمي يجب أن يشمل:
1- نائباً للوزير لشؤون التعليم العالي، ويكون له مساعدان أحدهما لشؤون الجامعات (يندرج تحته عدد من الوكلاء والمساعدين) والآخر لشؤون البحث العلمي (يندرج تحته عدد من المساعدين).
2- نائباً للوزير لشؤون التعليم العام، وله مساعدون هم مديرو التعليم في المناطق. والأهم من ذلك كله هو منح صلاحيات واضحة وصريحة لكلا النائبين ومساعديهم للسير بالعمل الإداري بعيداً عن البيروقراطية.
ذلك رأي بإيجاز لما ستكون عليه وزارة التعليم إذا تحققت تلك الرؤية فسوف يحقق ذلك مدخلاً قوياً، ينتج عنه مخرج قوي لأن الهدف هو نجاح وزارة واحدة تكاملية وليست تنافسيه.
والله من وراء القصد.