الجزيرة - واس:
برز من بين الوثائق التاريخية التي تملكها دارة الملك عبدالعزيز، مخطوطة كان قد أهداها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله - للدارة قبل 18 عامًا، باسم (المُقنِع) لموفق الدين أبو محمد بن قدامة الذي عاش ما بين 541 هـ و620هـ، وأعيد نسخها في الدرعية عام 1220هـ، متناولة الأمور الفقهيّة التي يحتاجها المسلم في حياته.
ولم تكن هذه المخطوطة إلا واحدة من سلسلة الوثائق التاريخية التي حرص الملك سلمان بن عبدالعزيز - وفقه الله - على اقتنائها من مختلف مصادرها، تلبية لشغفه الفطري بالعلم الذي لازمه منذ الصغر، وكان سببًا في وصفه برجل التاريخ والثقافة والفكر، إضافة لرغبته - أيده الله - في خدمة تاريخ الجزيرة العربية، وعلومها، وآدابها، لإمداد الباحثين وطلبة العلم بما يرفد معارفهم من المصادر الأصيلة والكتب النافعة.
وعدّت خطوة الملك سلمان في إهداء المخطوطة «إبان توليه إمارة منطقة الرياض ورئاسة مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز» مثالاً، استشهد به كل من يملك وثيقة تاريخية قديمة في المملكة، ليهرع الجميع إلى إيداع ما لديهم من مصادر تاريخية إلى الدارة، فأودعت كل مصدر باسم صاحبه، حتى يعود إليه متى يشاء، تنفيذًا لتوجيهات الملك المفدى - رعاه الله -.
ويؤكد المسؤولون في الدارة أن مخطوطة (المُقنِع) من أهم ما ورد إليهم عن تراث الدولة السعودية الأولى قبل سقوط الدرعية عام 1233هـ، وأعاد نسخها في 375 صفحة الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في فترة أوج الدرعية، ورخائها الاقتصادي، وذلك بخط عربي أقل ما وصف بغاية الحُسن والضبط الذي استخدم فيه الألوان الزاهية، والزخرفة، والخطوط المتعدّدة.
وحظيت المخطوطة بأهمية بالغة لدى علماء الفقه الإسلامي، وحقق إعادة طباعتها حاليًا في كتب فاخرة انتشارًا واسعًا في العالم الإسلامي، حيث عُدت مرجعًا علميًا أصيلاً في القضايا الفقهية المتعدّدة، ناهيك عن دورها التاريخي في إبراز اهتمام الدولة السعودية الأولى بالعلم، والعناية بنشر الكتب في فترة ذاع فيها صيت النسخ والنشر على أيدي الوراقين.
وتحتفظ الدارة بمخطوطة (المُقنِع) في مركز للمخطوطات يقع في قاعة تضم أكثر من خمسة آلاف وثيقة أثرية، وما إن يدلف الزائر إليها إلا ويعود به الزمن إلى القرن السادس الهجري، حيث الكتب والمخطوطات التاريخية الإسلامية والخاصة بالجزيرة العربية، والعهد السعودي تحديدًا، يتوسّط ذلك أدوات عتيقة استخدمها الوراقون في نجد للنسخ خلال القرون الوسطى، وأوراق متناثرة هنا وهناك تحت زجاج حافظ مرقمة وموصومة بأسماء أصحابها، وتحمل في طياتها بصمات لحقب زمنية متنوعة.وبضغطة زرّ واحد تتغير الأجواء في ممرات ومكاتب دارة الملك عبدالعزيز ما بين البرودة والاعتدال، إلا أن مركز المخطوطات يحتفظ بدرجة حرارة ثابتة قدرها 21 درجة، وهي أجواء أكد خُبراء الورق أنها تؤمّن حفظ الأوراق التاريخية من التلف، بعد أن تم إعادة ترميمها في مركز الأمير سلمان بن عبدالعزيز للترميم والمحافظة على المواد التاريخية التابع للدارة.
وتتيح الدارة للباحثين وطلاب العلم الاطلاع على محتويات المركز الذي أنشئ عام 1423هـ، وسجل عضوًا في هيئة المخطوطات الإسلامية بجامعة كامبريدج البريطانية، وذلك للاستفادة المعرفيّة منها، في حين بلغ عدد الرسائل العلمية التي اعتمدت على هذه المخطوطات 250 رسالة، إضافة إلى ترشيح عدد من المخطوطات لتحويلها إلى كتب مطبوعة.