الموت آتٍ على كل حي, ولكن يبقى السؤال ماذا قدَّم أحدنا لما بعد الموت, هل قدَّم عملاً صالحاً يثاب عليه ويدخله الجنة برحمة الله وفضله؟
إنَّ في الموت لموعظة, وفيه عبرةٌ لذوي الألباب, وهكذا هي الدنيا مثلها كمثل راكبٍ قَالَ تحت دوحةٍ ثم انصرف عنها, ومهما عُمِّر العبد فيها, ومهما نال من العز والشرف والجاه والسؤدد فإنما هو مثل غيره من البشر, فلا كرم لأحدٍ إلا بالتقوى قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
ولقد مات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بعد حياةٍ حافلةٍ خدم فيها الحرمين الشريفين, ورعى فيها الرعيَّة بما أوتي من قوةٍ، يمتزجُ فيها صدق اللهجة وعمق المحبَّة التي يُكنُّها لرعيته, صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم, في تواضع أبويٍّ, وكرمٍ فطريٍّ, وسجيَّةٍ غير متكلَّفةٍ قلَّ أنْ تتوافر هذا الزمن, فقد أعطى شعبه بسخاء, وأعطى وطنه نهضةً تنمويَّةً كبيرةً في مجالاتٍ شتى, وحرص على جمع الشمل الخليجي وطالبه بالاتحاد؛ لينتقل إلى مرحلةٍ أقوى مما عليه الآن, كما حرص على جمع الشمل العربي والإسلامي, وحارب كل ما من شأنه الإساءة إلى الإسلام من تصرفات غلاة المنتسبين إلى الإسلام, وحرص على مكافحة الإرهاب الذي عانت منه الدولة السعودية أكثر من غيرها من الدول, كما كان مهتماً متألماً لما يحصل في العالم العربيِّ من صراعاتٍ وحروبٍ ونزاعات, وما أكثرها, ولقد اهتمَّ اهتماماً بالغاً بالقضيَّة الفلسطينية, وسعى في جمع كلمة الفلسطينين, ووقف بجانب الشعب الفلسطيني كما هي حال سلفه ابتداء من الملك المؤسس وأبنائه البررة من بعده, وبنى مدينة الملك عبدالله للإسكان في فلسطين بقطاع غزة, كما اهتم -رحمه الله ورفع درجته- بخدمة الحرمين, وأمر بأكبر توسعة لهما... واهتمامه البالغ بالتعليم فتأسست في عهده جامعات كثيرة, واهتمامه بالجانب الصحي فأمر ببناء مدن طبية يستفيد منها المواطنون والمقيمون, واهتمامه البالغ برفاهية المواطن والتوسعة عليه... فمآثره مشهودة لا يفي بها مقال يكتب, ولا ينكرها إلا جاحدٌ أو حاقدٌ أو متعلقٌ بشبهةٍ من شبه المعادين المعاندين.
رحم الله الملك الوالد عبدالله بن عبدالعزيز وغفر الله له, ورفع درجته في الجنة, وأنزله الفردوس الأعلى في الجنة, وأحسن الله عزاء الملك سلمان وولي عهده وولي ولي عهده, وأسرته وأهل بيته, والأسرة الكريمة المالكة كافة والشعب السعودي كافة, والأمتين العربيَّة والإسلاميَّة في وفاته, وأخلف لنا خيراً.
كما نبايع الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ملكاً، ونبايع صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد, ونبايع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد, نبايعهم على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-, وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره, وألا ننازع الأمر أهله.
ومنْ توفيق الله وفضله وجوده وكرمه على هذه البلاد أنْ وفَّقها لاجتماع الكلمة ووحدة الصف في ظلِّ قيادةٍ حكيمةٍ شرَّفها الله بخدمة الحرمين الشريفين, ونصرة قضايا المسلمين في كل مكان, والحمد والفضل كله لله في أنْ وفق هذه البلاد بعلماء صالحين بقيادة هيئة كبار العلماء, وعلى رأسهم سماحة المفتي الوالد عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ -حفظه الله-، ومنْ منن الله العظمى علينا اجتماع كلمة الحاكم والعلماء والشعب الوفي, مما يلزمنا شكر هذه النعمة, خصوصاً ونحن نرى ما يحدث في الدول حولنا من اضطراباتٍ وحزبياتٍ واختلافٍ وتفرق كلمةٍ وحروب.
وأهنئ الشعب السعودي الوفي بتولي الملك المخضرم والوالد الوفي سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم, والشعب يعرف من هو سلمان بن عبدالعزيز في علمه ونبله وثقافته وحنكته, كما أهنئ الشعب السعودي بتولي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولاية العهد, وتولي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز منصب ولي ولي العهد والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء, وأسأل الله أنْ يوفقهم جميعاً لخدمة الإسلام وأهله, وأنْ ينفع بهم البلاد والعباد, وأنْ يوفقهم للحكم بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-, وأنْ يجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين, وأنْ يدلهم على الخير, وأنْ يجعلهم رحمةً على الرعيَّة, أعواناً على البر والتقوى, وأنْ يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة, وأنْ يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه, ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه, وأنْ يعز بهم الإسلام وأهله, ويعلي بهم راية الإسلام, واللهَ أسأل أنْ يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأنْ يمده بعونه, وأنْ يجعل عمله في رضاه.
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)