إن بعض الذين أتيحت لهم فرصة السفر خارج المملكة سواء في مهمات رسمية أو دراسية أو سياحية، رجعوا أو بعضهم وهم أسرى الانبهار والدهشة بما شاهدوه، أو سمعوه، من تطورات في تلك البلاد حيث بالغوا في المديح والإطراء لأولئك، وأنهم الأفضل في كل مناحي الحياة، وغاب عنهم أن المقارنة بيننا وبينهم، كمن يقارن بين عصرين مختلفين أو بين صبي وكهل، لو كبر الصبي لكان له شأن آخر، وإني أشبههم أيضًا بمن في داره ما لذ وطاب وفيها من الحسن ما فيها، فلما زار دار جاره، تغيّرت نظرته لداره، فأصبحت في عينه صغيرة، وغرته دور من حوله، مع أنه لا فرق بين الدارين يذكر وكذا حال بعض السائحين أو الدارسين في الخارج، غرتهم مشاهد أو مواقف أو مدنية، كما غاب عنهم الإنصاف والرؤية الصحيحة، لما تشهده المملكة من تقدم واضح، وتطور ملموس، ونمو سكاني، وطرق سريعة، ولكننا قد نقف أو نسير ببطء في بعض الحالات، لأنها أي حكومتنا محكومة بدستورها الخالد (الشريعة الإسلامية) وثقافتها العربية الأصيلة، التي تمنع من الانفتاح غير المنضبط، أو أن يفقد المجتمع هويته وقيمه، وليس معنى ذلك، أنها لا تنشد الأفضل، أو تتطلع للأحسن حتى وإن كانت بالاستفادة من دول كبرى أو حتى صغرى، عربية أو إسلامية أو حتى أجنبية، فهي معتدلة في تعاملها، مع الغير فلا انغلاق يفضي إلى التحجر والتقوقع، ولا انفتاح يؤدي لغياب الثقافة وتغير الهوية، والتطور ضالة بلادنا إن وجدتها أخذت بها (والحق ضالة المؤمن) أتظنون أيها المغرورون بالغرب أو الشرق أن بلادي عاجزة عن فتح مطارات كبرى مثلاً، أو أن تكون محطة توزيع للطائرات كالحالة في دبي، لا، ثم لا فلدينا موسم الحج والعمرة والزيارات لمكة والمدينة، لكن المانع ما تقدم وللانفتاح ضريبة فقدان الهوية، وغياب السيطرة.... الخ، ولقد سررت في رحلة دعوية أنا واثنان من زملائي إلى أحد الدول كانت رحلة جميلة، وجمالها في رفقاء الرحلة، وزاد الأمر حسنًا، تلك المقارنة، وذلك الجدال بيني وبينهم فهم يرصدون، وأنا أقيد، رصدوا محاسن تلك الدولة وقيدت حسنات المملكة، يعدون عيوب بلادنا، وأحصي عليهم سيئات تلك البلاد، ولقد بدأت المقارنة، ودقت المنافسة طبولها، عند هبوطنا مطار تلك البلاد، واشتد الحوار وانطلقنا في مضمار المنافسة، وكان محور الحديث والمنافسة عن الخدمات، والأسعار، والطبيعة، والحق أن الحق كان معي، حيث الضرائب التي تقعد لنا كل مرصد في الطرق والمواقف والفنادمع الغلاء الفاحش في الأسعار، أما الوقود فنار تتأجج، والطقس استوائي ممل لا شتاء ولا خريف ولا صيف ولا ربيع، والطعام عندنا أزكى وألذ، والطرق عندنا أجود وأطول وأوسع، إنها الطرق السريعة، لا نرى فيها عوجًا ولا أمتا من جدة إلى الدمام أكثر من 1800كيلو، وثمارنا أفضل ولست أدعي الكمال فالنقص وارد، والتقصير حاصل، ونحن في ذلك وارث، فأبونا آدم نسي ولم يجد له ربي عزمًا، ولكن ليست طرقنا الأسوأ، ولا أسعارنا الأغلى، ولا اقتصادنا الأضعف، ولكننا الأقل منهم في المواطنة وصدق الانتماء، وللأسف خذ مثالاً الوقود، نحن أقل دول العالم تكلفه، ولا تقل عندنا البترول فغيرنا عنده كذلك، ولقد اتصل بي الأسبوع الماضي أحد الزملاء من الأردن يقول: إنه يملأ سيارته الجيب صالون بمبلغ يساوي قدره 500 ريال سعودي، ونحن في المملكة نملأها بـ50 ريال سعودي، فأي الفريقين أحق بالفخر، ولكننا لا نشكر، فنحمد الله سبحانه وتعالى، أن جعل بلادنا المملكة تنعم في الأمن والأمان والاستقرار ورغد العيش، في ظل قيادة حكيمة إن شاء الله ونحن سائرون ماضون إن شاء الله في طريق التنمية الشاملة، رغم قصر العمر، فالمملكة مازالت في أول شبابها، وأمامها مستقبل إن شاء الله حافل بالعطاء والإنتاج، فحافظوا على شبابنا، وإياكم والأيدي الخفية الخبيثة التي تحاول، أن تفسد على المملكة حاضرها ومستقبلها، تلك القوى الخارجية الحاقدة، التي لا تفتأ في نشر الأكاذيب والأباطيل للإفساد بين الراعي والرعية، فالله الله أيها القراء العقلاء من قنوات السوء فاحذروها، ومواقع الفتنة فاجتنبوها، تلك التي تدغدغ مشاعر المواطنين بذكر الأموال والثروات (الميزانية)، فإن الفتنه نائمة لعن الله موقظها ومن أراد أن ينهض ببلادنا، فلا يكن ذلك بكلمات الإطراء، والتبجيل والمديح للغرب والشرق، لأن ذلك لن يبعث المتثبطين، ولن ينشط الكسالى، ولن يزرع الثقة في المترددين بل على العكس تمامًا، إنه سيؤدي إلى زرع بذور الشك في قدرة المملكة على النهوض بمسئولياتها.
فهد بن سليمان بن عبدالله التويجري - المدير العام المساعد لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم