عندما يتوجه قادة العالم إلى المملكة العربية السعودية للتعزية بوفاة الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله -، فإن ذلك يؤكد المكانة الرفيعة لجلالته عبر سياساته الوطنية والإقليمية والدولية في مختلف المجالات وإسهاماته في دعم التضامن العربي والإسلامي والوقوف إلى جانب القضايا العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين والمقدسات الإسلامية.. لقد استطاع الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - احتواء الخلافات بين الدول العربية، وفتح باب الحوار كخيار أول، وحافظ على اتزان علاقات المملكة بدول الجوار وبكافة الدول العربية والإسلامية، وسعى إلى إرساء قاعدة الحوار في مختلف القضايا التي شهدتها المنطقة، حتى أضحت السياسة السعودية نبراساً يحتذي به الجميع.. وشهدت المملكة العربية السعودية في عهد الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز إنجازات اقتصادية غير مسبوقة، امتدت من تحسين أداء الاقتصاد الكلي للدولة، وحتى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين السعوديين عبر مشروعات عملاقة ساهمت في خلق فرص العمل.
والواقع أن النهضة التي شهدتها المملكة في عهد الراحل الملك عبد الله امتدت لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة، حيث تشكّل في مجملها إنجازات تميزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما يضعها في رقم جديد في خارطة دول العالم المتقدمة فقد تجاوزت في مجال التنمية السقف المعتمدة لإنجاز العديد من الأهداف التنموية التي حددها إعلان الألفية للأمم المتحدة عام 2000، كما أنها على طريق تحقيق عدد آخر منها قبل المواعيد المقترحة.
ومن بين الإنجازات التي تحققت في عهد الراحل الملك عبد الله الموافقة على انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية في عام 2005، والإعلان عن مشروعات اقتصادية ضخمة منها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد ومدينة المعرفة ومدينة جازان الاقتصادية ومركز الملك عبد الله المالي.
كما شهدت برامج الابتعاث التعليمي للخارج زيادة غير مسبوقة، كما تم رفع رواتب الطلبة المبتعثين إلى الخارج بنسبة 50%. وعلى صعيد المناطق الاقتصادية فقد تم التخطيط لإنشاء مدن اقتصادية في كل من رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان وتبوك، كما تم تأسيس جامعات جديدة في المدينة المنورة وتبوك وحائل وجيزان والطائف والقصيم والجوف والباحة وعرعر ونجران. وتم وضع حجر الأساس لمشروعات عملاقة في جدة ومكة المكرمة تفوق كلفتها 600 مليار ريال تحت مسمى «نحو العالم الأول».
كما شارك، رحمه الله، في مؤتمر قمة العشرين الاقتصادية العالمية والتي انعقدت في واشنطن 2008، للأزمة والتي أعلن خلالها رصد المملكة مبلغ 400 مليار لمجابهة الأزمة المالية العالمية ولدفع عجلة التنمية والنهضة في المملكة وضماناً لعدم توقف مشاريع التنمية بها ولدعم وحماية المصارف المحلية.. وفي عهد الملك الراحل تم إنشاء هيئة مكافحة الفساد على أن تكون مرتبطة بالملك مباشرة.
وعلى صعيد المشروعات السكنية تم تخصيص 250 مليار ريال سعودي لبناء 500 ألف وحدة سكنية بجميع مناطق المملكة.
وتم إنشاء خمس مدن طبية، وأمر بإنشاء مدينة «وعد الشمال» الصناعية للاستثمارات التعدينية في عرعر.
وفيما يتعلق بمشاريع السكك الحديدية توسعت السعودية في إنشاء السكك الحديدية، حيث تمت الموافقة على توسعة سكة الحديد لتشمل القطاع الشمالي واعتماد القطاع الجنوبي ضمن خطة التنمية القادمة، بالإضافة لقطار المشاعر وقطار الرياض.
والواقع أن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال السنوات الماضية منذ أن تمت مبايعة جلالته الخالدة على سدة الحكم في المملكة العربية السعودية تميزت بإنجازات كبيرة وواسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والثقافية والسياحية والرياضية عبر مسيرة حافلة بالتفاني والعطاء وهي المسيرة الصلبة التي تواصلت بإرادة حكيمة وعزيمة قوية من خادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي عهده الأمين بغية توظيف كل الجهود من أجل تحقيق المزيد من الرفعة للوطن والازدهار للمواطنين.. فقد عمل على الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية حيث جعل القضية حية في أروقة المجتمع الدولي.
لقد وضع - رحمه الله - قاعدة السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة الذي لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967م، في فلسطين وهي ذات المبادئ التي تضمنتها مبادرة السلام العربية، وعكستها قـرارات الشـرعية الدولية ذات الصلة.. لقد أنجز خادم الحرمين الشريفين بهمة واقتدار ودرجة عالية من المسؤولية الوطنية كافة المهام المنوطة بجلالته لرفع مستوى الوطن والمواطنين، حيث ترك - حفظه الله - بصمات واضحة لهده المنجزات في مختلف مناحي الحياة بالمملكة العربية السعودية والتي تحققت وأصبحت ماثلة للعيان اليوم. لقد انطلقت المملكة في عهد الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين الباني والتي تمكنت من الوصول إلى درجة عالية من الرقي والتطور نحو مرحلة جديدة من العمل الوطني، حيث حدد أهدافها وغاياتها بتكريس مبادئ سيادة القانون والمساءلة والشفافية وتكافؤ الفرص وإعادة بناء وترتيب وتأهيل النظم والهياكل الحكومية القائمة من حيث بنيتها ووظيفتها.
وقد أكد في خطاباته أمام المواطنين بأن الإنسان السعودي هو هدف التنمية وغايتها وهو في ذات الوقت أداتها ووسيلتها، كما عمل على النهوض بالمرأة وتمكينها من العمل لتضطلع بدورها في خدمة الوطن.. كما لعب دوراً بارزاً نحو الإصلاح الشامل في المملكة وتعزيز مشاركة المواطنين في العمل الوطني العام بهدف ضمان وتعزيز واستكمال مسيرة التنمية المتوازنة والشاملة التي حققتها المملكة.
فالراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين كان يلتقي المواطنين من مختلف مناطق المملكة للوقوف على حاجاتهم، وذلك في إطار حرصه على متابعة أحوالهم والاطمئنان على راحتهم وقضاء حوائجهم وتوفير كل سبل الحياة الكريمة لهم بما يحقق لهم الاستقرار والرخاء.
والواقع أن خادم الحرمين الشريفين كان الداعم الرئيس لتحقيق تطلعات الأمة الخليجية والعربية الإسلامية وتكريس الأمن والسلم العالميين، وقد واصل دعمه اللا محدود لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بحيث حقق نجاحات لهذه الهيئات التي تمكنت من أداء مهامها بما يحقق التنمية والرخاء للشعوب الخليجية والعربية والإسلامية.. فضلاً عن أن دعم خادم الحرمين الشريفين للقضايا الخليجية والعربية والإسلامية كان محورياً في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط والعالم الإسلامي. لقد بذل الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين جهداً كبيراً لدعم العمل العربي المشترك وجامعة الدول العربية ومؤسساتها وحرص على تعزيز علاقات المملكة مع الدول العربية كافة بما يعزز ويقوي العمل العربي الجماعي ويحقق التضامن العربي، كما دعا جلالة الراحل الكبير إلى رفع الظلم عن المسلمين في جميع أنحاء العالم وطالب إسرائيل بضرورة الرضوخ والإذعان للقرارات الدولية في شأن تطبيق مبادرة السلام العربية التي تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.. كما طالب بوقف الاقتتال في سورية وإيجاد الحلول اللازمة لوقف حمام الدم هناك وتمكين شعب سورية من تحقيق أهدافه، وقد طالب بالعمل على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وأعرب عن قلقه لتدهور الأوضاع الأمنية هناك ويرى أن العراق الآمن المستقر هو إضافة للأمن القومي، لقد حرص على التأكيد على تفعيل حوار الحضارات والتأكيد أيضاً على سماحة الإســـلام، حيث يسعى جلالته إلى دعـــــم المنظمــات الإسلامية العربيـة والدولية بغية توحيد الصفوف بين الدول الإسلامية لمواجهة التحديات الراهنة، وعلى ضرورة التعايش السلمي بين مختلف الأديان السماوية وترسيخ مشاعر المحبة والسلام بين البشر.
ولا شك أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز سيواصل مسيرة النهضة على درب التنمية والبناء لهذا الوطن وصنع الرخاء بقيادة جلالته، حيث سيواصل هذه المسيرة المشرقة والوضاءة مجالات الحياة كافة، لأنها ترتكز على أصالة المبادئ وحيويتها، حيث جعلت من هذه الدولة حاضرة من خلال مواقفها وسياساتها في كل المجالات.. حيث مكّنتها في الوقت ذاته من مواكبة تطورات ومتطلبات الألفية الثالثة والتفاعل الإيجابي معها. إنني أعتقد جازماً من خلال ما أعرفه وما تابعته عن الملك سلمان بن عبد العزيز أنه سيتابع جهود الراحل الكبير ودوره الرائد والبنّاء لمواصلة مسيرة مجلس التعاون الخليجي مؤخراً ودعم جلالته له يمثّل صورة مشرقة لتحقيق مزيد من الإنجازات لإحداث نقلة نوعية في خطوات التكامل الاقتصادي والاجتماعي الخليجي، بالإضافة إلى أن هذه المواقف الوطنية لجلالته شكّلت نقطة فاصلة لتحديد الملامح الخليجية في القمم الخليجية خصوصاً أنني تابعت في القمة الخليجية بالكويت ودوره في حل القضايا العالقة وغيرها، باعتبار أن المحور التنموي الذي يشكّل ركيزة أساسية للعمل يعني أن الإنسان الخليجي في مقدمة الأولويات التي يوليها والقادة الخليجيون لتحقيق تطلعات هذا المجتمع عبر تكريس الأمن والاستقرار والموارد الطبيعية التي حباها الله بها فضلاً عن فاعلية دول مجلس في تحقيق السلام وإنشاء الدولة الفلسطينية وتدشين مشروع الربط الكهربائي ودعم مسيرة الاتحاد النقدي.
رحمَ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأسكنه فسيح جناته ضارعين إلى الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإخوانه لمواصلة مسيرة التقدم والإنجاز والأمن والأمان في المملكة ومكافحة الإرهاب وتجسيد حوار الأديان.
عبدالله محمد القاق - رئيس تحرير جريدة سلوان الإخبارية الأردنية