عندما نتحدث عن قائد بحجم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - لا يمكن أن نحصر في كلمات مآثره التي قدم فيها لأمته العديد من التطور والازدهار في جميع المجالات، وكان عنوان تلك المسيرة (الحب المتبادل)؛ فقد لمسنا مشاعر غير عادية، وكان الجميع يبادله فيها وهو يقود دفة الحكم؛ ما يؤكد أن هناك رابطاً جمع قائداً بأمته بشكل تلقائي خلال السنوات العشر التي كان يعمل فيها من أجل رفع شؤون هذا البلد في جميع الأصعدة. والحب لم يكن محصوراً في أفئدة المجتمع السعودي، وإنما تجلى في أجواء الأمة العربية والإسلامية؛ لأنهم عايشوا والداً وأخاً وصديقاً, ولم يكن هناك غرابة عندما ودع الدنيا أن ينعاه القريب والبعيد. كان - رحمه الله - معطاء، تكسوه البساطة, أدخل مع عمله مشاعر الحب بنية صادقة. كان للملك عبدالله مواقف تفرض نفسها على الجميع، ولا يمكن حصرها؛ فبصماته موجودة في كل الأصعدة، ومن الصعب الاستطراد في تلك المنجزات التي لا تقف عند حد، بل تجاوزت الأرقام، منها ما لمسنا وتحقق على أرض الواقع ونعيشه حاضراً، وسيكون رافداً للمستقبل. فتوسعة الحرمين الشريفين، التي تُعد شرفاً لقادة هذه البلاد، بداية بالمؤسس الملك عبدالعزيز ونهاية بالملك عبدالله، نالت العناية التامة من لدنه؛ فأمر بالتوسعات العملاقة والمرافق الكافية، وحرص على سرعة إنجازها. كل هذا البذل السخي لتوفير خدمات تريح الحاج والزائر والمعتمر, وستبقى خالدة تلك الأعمال للحاضر الزاهر والمستقبل المشرق. وأطلق - رحمه الله - مشاريع مواجهة تحديات الانغلاق وضيق الأفق من خلال مبادرات الحوار الوطني والأديان. وتبنت المملكة العربية السعودية هذا الجانب؛ لأنها تعي أهميته، وبخاصة في هذا الوقت لتعدد الصبغات والأفكار في المجتمع والشعوب. كان قائداً للحوار حريصاً على أن تكون أرض الحرمين ساحة للتجاذب من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار، الذي حقق جزءاً كبيراً من الرؤية التي يهدف لها لتلاقي الثقافات والأديان. ولن ينساه التاريخ فيما أحدث من تحولات ضخمة في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية وصولاً إلى مشاركة الأسرة الدولية والتحليق بجناحي المجتمع (الرجل والمرأة) لتصويب مظاهر الانغلاق والانطلاق لميادين واسعة في المجالات كافة. وشهد عهده إنشاء أكبر الجامعات، ونشر التعليم وقربه من الفئة التي تبحث عنه. ولم يعطِ للتجشم طريقاًلأنه يعي خطورة هذا الجانب، فاختصر المسافة منطلقاً من قاعدة (الأمم ترفع راياتها بالتعلم)، وصرفت ميزانيات كبيرة. وامتد المد التعليمي لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. وبقدر ما أعطى للتعليم كان للمجال الصحي اهتمامات بالغة؛ إذ قاد مسيرة التطوير والنهوض بمكانة القطاع الطبي في المملكة؛ ليتبوأ مكانة عالمية مرموقة، وحرص على الارتقاء بمهامه، فضلاً عن الإسهام والمشاركة الإيجابية البناءة في العديد من القطاعات، وأمر بتوجيه موارد ضخمة لتطوير بنية القطاع الصحي في جميع ربوع المملكة، كتشييد أرقى المستشفيات والمؤسسات الطبية، ورفدها بأحدث التجهيزات الطبية والتقنية في العالم, حتى باتت المستشفيات تضاهي جودة ومعايير الخدمة الصحية والتجهيزات الطبية في المستشفيات العالمية. تلك المبادرات الهائلة التي تحققت على صعيد تعزيز دور المملكة كملاذ طبي آمن كان عبدالله قائدها إدراكاً منه لأهمية التنمية الصحية، وصون أهم ثروة خلقها المولى - عز وجل -. رحل خادم الحرمين الشريفين وترك لنا مشاريع نسير عليها منهجاً وفكراً وعملاً. حمّلنا مسؤولية وطن نحميه، ونضحي من أجله، ونمضي به للأمام.
نسأل الله أن يجبر مصابنا ودعواتنا بالتوفيق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القائد الذي تلمس حوائج شعبه خلال الفترة التي قضاها أميراً للرياض، والتي ستسهل قراءته للواقع والسير بدفة العمل مع عضده الأيمن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف قائد الأمن الداخلي ورجل المرحلة، وندعو الله أن يكتب للجميع السداد، وأن يعوضنا خيراً، وأن تتواصل سيرة الوطن والمواطن ونحن ننعم بالأمن والأمان والاستقرار.
د. أحمد محمد العيسى - المشرف العام على الإدارة العامة بالخدمات الطبية بوزارة الداخلية