الحمد لله..
الحمد لله تعالى القائل في محكم تنزيله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}.. {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} صدق الله العظيم.
الحمد لله.. على ما قضى..
والحمد لله.. على ما أمضى..
له ما أَعطى.. وله ما أخذ ، وهو القادر على كل شيء..
وإليه المصير !
***
ثُم أما بعد..
صباح أمس الجمعة 3-4-1436هـ فوجئنا وفجعنا بالنبأ المؤلم الذي أذاعه الديوان الملكي.. الذي أجج المشاعر وعصر القلوب وهطلت العيون بالدموع.. عن رحيل خادم الحرمينِ الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
نَعَمْ.. لقد كان فقده عظيماً.. وَمصابه جللاً.. على أخيه ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.. وعلى أخيه ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود وعلى الأُسرة المالكة الكريمة.. ابتداء مِنْ قمتها وحتى أصغر واحد فيها.. وعلى إخوة الفقيد وأبنائه وأهله.. والأُمة السعودية والعربية والإسلامية.
***
يا عبدالله..
رحيلك عن هذه الدُّنيا.. لا يختلف عن رحيل العشرات أو المئات ممَّن اختار الله لهم أنْ يرحلوا.. ومنهم من كان في نضارة العمر.. إلى جانب من بَدَا أنّه قد استوفى نصيبه من رحيق العمر المُقدَّر.. ولكنْ ممَّا يظلُّ من الطلاسم المغلّقة على التقدير بالنسبة للأهل والولد.. والأصدقاء والرفاق.. الإصرار على استبعاد رحيلِ من نحب.. حتى لو كان عناصر التأهُّب لهذا الرحيل تتلاقى على أجنحة تخفق يوما بعد يوم.. ولكن عيون الحب لها أجنحتها التي تتجاوز المشهود والمقدور.. في آفاق أملٍ بأنْ يمنَّ الله على الحبيب بالعافية ليمطره غيث حياة في رحاب الآجلة.. وإنْ كان إيمان الجميع أنَّ العاجلة خير وأبقى.
***
ثم.. أما بعد..
يا أبناء عبدالعزيز وأَحفاده..
لستم - وحدكم - الذين يُعزَّون في رحيل حبيب الشعب ومليك الإنسانية وصقر العروبة عبدالله بن عبدالعزيز..!
ولستم - يحفظكم الله - الذين بكيْتُم وتبكون الفقيدَ الغالي..!
وليس أبناء عبدالله وأسرتهم المصونون التي فجعت برحيله المفاجئ..!
فليس الموقف موقفكم.. ولا المصيبة مصيبتكم.. بل هي مصيبة الجميع..
***
* كل شباب هذه الأمة يا عبدالله..
- كل كهولها.. ونسائها ورجالها..
- كُلُّ أفرادها.. حاضرهم وغائبهم.. صغيرهم وكبيرهم..
- كُلُّ أولئك وهؤلاء.. بكوا عبدالله..
ونعوا عبدالله.. وصلوا ودعوا ورجوا من أجل عبدالله.. !
عليه شآبيب الرَّحمة والمغفرة والرضوان.. !
***
يا سيدي سلمان المجد يا ابن عبدالعزيز..
إنَّ الطوفان البشري الكثيف الذي سينهال - حتْماً - باتجاه قصر الحكم بمدينة الرياض.. على مختلف أطيافه وفئاته ومقاماته.. من ملوك وأمراء.. ووفود الدول العربيَّة والإسلامية والصديقة.. هذا إلى جانب برقيّات التعازي من الملوك والرؤساء.. هو تعبير عاطفي رمزي لحزن هذه الأمة جمعاء.. وهم شهود على عظم الخطب الجلل !
ستجيء إليك تلك المظاهر يا سيِّدي من كل مكان..
لينقلوا مشاعرهم الجارفة الصادقة لكم ولأبنائه الميامين وأسرته الكريمة وآل الفقيد الكرام، أَساهم وتعاطفهم وألمهم.. وليُسمعوكم دعاءهم..
وليشدُّوا على أيديكم تواصلاً ومشاركة وارتباطاً !
وهو - بحقٍّ وحقيقة - ما نفتخر به نحن السعوديين الذين بمثابة الأسرة الكبيرة التي تتداعى فيها سائر الأعضاء إذا ما اشتكى منها عضو..
***
يا سيدي سلمان المجد يا ابن عبدالعزيز..
- الموت حق.. وتلك إرادة الله فلا راد لإرادتِه.. ونحنُ لا نملك عنده سوى التسليم بقضاء الله وقدره.. جلَّت قدرته.. وحمد الله والثناء عليه.. الذي لا يحمد على مكروه سواه.. إن عزاءك يا سيدي وعزاءنا معك.. أنَّ عبدالله بن عبدالعزيز قد أودع وجدان هذا الوطن تركةً عطرة تجدِّدُ ذكْره مع مرِّ الليالي والأيام.. من إشراقات كلماته المُجنَّحة.. وخواطره العفويَّة الشعبية المتألقة.. ونهجه القائم على الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر.. وأحداث ووقائع حياته التي ماجت بأفعال تُنْعت بالصدق والعبقرية والحكمة والاتزان والعقلانية والأمانة والإصلاح والدأب الذي لا ينقطع في اتجاه تقريب وجهات النظر بين الفرقاء والعمل المثابر من أجل الاصطفاف لمجابهة التحديات ومحاصرة الأزمات والتجارب الإنسانية الرفيعة والوفاء وأعجوبة الود والحب والخير والشهامة والفضيلة والجود والتواضع.. وتلك خصال - بلا شك - سوْف تظل عطرة فوّاحة بالتقدير والتكريم ممّن عرفه وممن لم يعرفه!
***
نعم.. نعم.. سيبقى للحزن وطأه.. وللفقْد حرقه.. وللهمِّ جرعه.
الكلمات - يا عبدالله - تبعث من جديد لتشفي بها القلوب ، لأنك يا عبدالله قد تغلغل شعبك الكريم بالوجدان ، وتستنطق ذواكرهم ، فتبوح فينكشف بعض مايختبئ خلف ستار رحيلك أيها الملك العظيم في غياهب الوقت ، والحقيقة الواحدة تحتضن العلقم وتحتضر الموت على ألسنتهم ، بعد مصابك الجلل أصبح الوقت يحكي سيرة الأنين بعد الرحيل.
يا عبدالله.. ما أَكثر ما ينبغي أَن يقال في رثائك أيها العظيم.. ولكن ما أقلَّ ما يتسع له الوقت.. مع ما تذرفه العين من الدّمع.. وما يرتعد له القلب من الحزن والأَسى واللّوعة.. فالضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أنْ يتغشَّاك بالرحمة والرضوان.. وأن يسكنك الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين.
وأنْ يمنَّ علينا نحن محبوك وعارفو فضلك بالصبر والسِّلوان.. ونسأل لك المثوبة لما أسديته لدينك ووطنك وأمتك من أعمال صالحة.. وخدمات جليلة.. آمين يارب العالمين.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.