قبيل الغَسق من يوم الجمعة؛ فُجِعت الأمة برحيل ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته، وأنزله منزلاً كريماً. إن الأيام والسنين تمضي، وتنطوي معها الأعمار، إلا أن مآثر القادة الأوفياء وأياديهم البيضاء تبقى منقوشة على صفحات التاريخ، تتناقلها الأجيال، وتستلهم منها الدروس والعبر، وإنا لنحسب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- هو ذلك القائد الوفي، والرجل الحكيم، والرائد المعطاء، حتى عُدّ أحد العشرة الذين كسبوا احتراماً عالمياً، ونال استحقاق التكريم محلياً وإقليمياً ودولياً.
فقد ارتبط اسمه رحمه الله بالدعوة التي أطلقها من مكة المكرمة إلى التسامح والوسطية والاعتدال، وسطر الكثير من المواقف الإنسانية تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية، فواسى الجراح، وتصدرت المملكة في عهده الدول المانحة والداعمة لقضايا الشعوب الإنسانية الساعية لتخفيف آثار الأزمات والكوارث، انطلاقاً من التزام أخلاقي نبيل تجاه المناطق المنكوبة أو المحتاجة.
كما ارتبط اسمه تغمده الله برحمته بتوسعة الحرمين الشريفين، فمع أنها تعد امتداداً لتوجه كريم لهذه الدولة الرشيدة منذ فجر تأسيسها؛ إلا أنها كانت الأكبر من نوعها حيث جاءت مستوعبة للملايين من المسلمين، الأمر الذي أعطى المملكة مزيداً من الاحترام والتقدير من لدن أشقائنا في العالم الإسلامي.
وإلى جانب ذلك شهدت المملكة إبان حُكْمه رحمه الله حقبة زاهرة تمثلت بعض جوانبها في التطوير الكبير لمؤسسات التعليم العالي والعام، فنهضت الجامعات وامتدت أفقياً حتى شملت كافة أفياء المملكة وأرجائها، واختصت بعضها بدراسات نوعية تضاهي ما لدى الأمم المتقدمة، فكان ذلك بمثابة الاستثمار الناجح والمثمر في مجال التعليم والبحث العلمي الذي يجعل الوطن قائما على الاقتصاد المبني على المعرفة والمعتمد على أسس تتسم بالرسوخ والديمومة.
إلى جانب ذلك؛ عُني رحمه الله بقيادة مشروع فكري كان من أبرز ثماره إشاعة روح الحوار البنَّاء، وتأمين البلاد ضد الفكر الإرهابي، وتحصين أبنائه وبناته ضد الغلو والتطرف، وبث ثقافة المناصحة والإصلاح، فبقيت المملكة والحمد لله واحة للأمن والاطمئنان والسكينة، غير متأثرة بالأمواج التي تتقاذف محيطها وتشيع فيه الفوضى والقلاقل، فكان مشروعه الفكري هذا بمثابة رسالة للعالَم بأن المملكة ستبقى أرض الأمن والأمان، والعطاء الإنساني والحضاري المعتدل.
ستظل ذاكرة الأيام تسطر لهذا القائد الحكيم رحمه الله مآثر جمّة، وإنجازات غير مسبوقة، أضفت على صفحات المملكة جمالاً ورُقِياً، ومنحت مكانتها رفعة وقوة، وأعطت مسيرتها جودة ورسوخاً.
إن الخَطب جلل، والمصاب عظيم، ولا نقول إلا ما يرضي الرب: فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وإنني إزاء هذا الحدث الأليم والمحزن؛ لأرفع أحر التعازي والمواساة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظهم الله ولكافة الأسرة الحاكمة، ولشعب المملكة العربية السعودية، سائلاً الله تعالى أن يسبغ عليه شآبيب رحمته، ويرفع درجته في عليين، ويتقبله عنده بقبول حسن.
كما أجد لزاماً عليّ أن أبعث بالبيعة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولسمو ولي العهد، ولسمو ولي ولي العهد، سائلاً المولى جلت قدرته أن يحفظهم ذخراً للوطن وأهله.
د. عبدالرحمن بن محمد العاصمي - مدير جامعة سلمان بن عبدالعزيز