الحمد لله قال في محكم كتابه {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} أحمده سبحانه وأشهد ألا إله إلا هو الحي القيوم وحده لا شريك له المتفرد بالبقاء وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي خاطبه ربه بقوله عز وجل {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد فإنها مصيبة فاجعة اهتزت لها الأمة العربية والإسلامية بفقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز القائد الفذ والسياسي المخضرم الذي حمل هم أمته على عاتقه، وجعل رقي البلاد وإسعاد العباد غاية جليلة بين عينيه فتجلى منه وله الحب والوفاء بالإخلاص والدعاء في أبهى صورة شهدت له مكة والمدينة بخدمة الحرمين الشريفين وزوارهما، راهن على الاهتمام بالتعليم والابتعاث لبناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة، وأطلق الحوار الوطني ليجسد اللحمة بين الجميع، رفع راية التسامح ومحاربة الإرهاب ليبرز صورة الإسلام ناصعة، الإنجازات الكبرى في البنية التحتية الصناعية والخدمية والدعم المتواصل لإنشاء المدن الصناعية صروح شاهدة هذا غيض من فيض كثير.
لقد خسرت الأمة قائداً فذاً مناصراً لقضاياها في العالم أجمع، بما تحلى به من رؤية بعيدة وشاملة، وصفات حميدة، ومنها وضوحه وحسمه في مواجهة المشكلات والحرص على نجدة المستغيثين وعون المنكوبين في فلسطين والشام والصومال، ودأب على إصلاح ذات البين بين الأشقاء العرب والمسلمين ليجبر كسراً يوهن من عزم الأشقاء ويفتح فرجة لتسلل الأعداء.
انطلق في أنحاء الأرض بعالمية الإسلام داعياً إلى حوار الحضارات وتعايش الأديان ليدفع الصدام ويمنع الصراع واستفاد من منجزات العالم في نهضة الوطن، فخاض غمار السباق في قفزات التنمية ليضرب الجهل بالعلم ويطفئ الحروب والفتن بالحوار والسلام.
وماذا عساي أن أقول في ملك شهد له زعماء الغرب والشرق بما لا يخطه قلم ولا يستوعبه بيان، وحسبنا أن نتحدث عن شخصية تاريخية، فرضت مكانتها بين زعماء العالم بالتواضع والصدق والحزم، فأشرقت بمجموعها لتعكس هيبة القوة في جلالة المنزلة ضمها صدر حنون وقلب عطوف فغضبة نخوته قرينة دمعة رحمته.
ألامُ لما أُبدي عليك من الأسى
وإني لأخفي منك أضعاف ما أبدى
ولئن آلمنا رحيله وفجعنا فراقه، إلا أن العزاء والسلوان في هذا الإجماع على محبته والدعاء له، ولن تخيب يرحمه الله تلك الدعوات في ساعات الإجابة من شعب أحزنه فراق مليكه. فرحمك الله يا عبدالله بن عبدالعزيز وجمعنا بك في الجنة، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا والدنا لمحزونون.
لقد قلنا عندما فاضت روحه إلى بارئها (اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيراً منها) فكان الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله، الجزاء العاجل بالخلف والأجر الجزيل من الله على فراق الملك الراحل.
فإن من منة الله على هذه البلاد وأهلها أنه في الساعة التي أصيبوا فيها بالمصاب الجلل بفقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن أكرمهم الله بملك هو بحق ربيب العلماء وسليل الكرماء، عظيم من العظماء، ركن الحكم وعمود الدولة ورابطة الأسرة ووالد الشعب، بسط يده بالبذل والعطاء، ابتسامته الدائمة تنم عما تنعم به نفسه من سلام وأمان ينبع من عميق إيمانه وشدة توكله على ربه.
عندما تمر البلاد بمنعطف أو أزمة يلوذ به الكبار والعقلاء بعد الله ليجدوه في صبره وثباته وعمق صمته قلعة حصينة يجدون فيها دلائل الفأل وبشائر النصر لا تهزها العواصف ولا تحركها رياح الفتن، فالحمد لله الذي منّ علينا بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكاً وإماماً وولياً للأمر وأباً ناصحاً.
الملك سلمان تشهد له الرياض وأهلها بجلده على العمل وضبطه لمفاصل الأمور، جعل الرياض إبان إمرته تبلغ تنمية عانقت بها عواصم عالمية.
الملك سلمان عُرف بذكائه اللافت، وفراسته الحادة، وحضوره القوي الفاعل، وشخصيته الجريئة المفعمة بالفعالية والطموح، ناهيك عن تواصله الاجتماعي حتى إنه ليعرف أنساب الناس وقراباتهم وصلاتهم أكثر مما يعرف بعضهم عن قرابات أنفسهم.
عرفناه عظيم التعلق بالإسلام وأصوله، عظيم اليقين بالإسلام سفينة للنجاة ومحراباً واسعاً للعبادة في الحياة، بهذه الشخصية المحنكة والعقلية الفذة والنفس السخية تميز أيده الله، فبات للخير عنواناً وللمحتاج قبلة، وجرت أنهار يديه بالعطاء في السر أكثر من العلانية تتلمس جرح المحتاج، وتعالج المريض، وتبني المساكن، وتطعم الطعام، وتكفل الأيتام، وتساعد الأرامل، وتغيث الملهوفين.
تعوّد بسط الكف حتى لو أنهُ
ثناها لقبضٍ لم تجبه أنامله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
فكيف وقد جمع إلى ذلك حضوراً لا يتأخر معه الواجب عن وقته ولا الجزاء الحسن عن ساعة إنجازه، حتى إن الكثير ليعجب من بركة الله عليه في وقته الذي اتسع لتهنئة المبدعين وشكر المنجزين، فضلاً عن المواساة في عيادة المريض وتعزية المصاب. وإن حبنا لخادم الحرمين الملك سلمان وإجماع المواطنين على محبته دليل عاجل بشرى المؤمن على عمله الصالح في الدنيا مع ما يدخره الله له في الآخرة أن يثني الناس عليه خيراً وإنك لترى فيه قول الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} بل هي ما قاله صلى الله عليه وسلم «تلك عاجل بشرى المؤمن» فقد أثمرت أعماله في قلوب المسلمين وغير المسلمين حباً وتقديراً له ولإنجازاته.
فهو بحق شخصية لها موقعها المؤثر والمهم في خريطة القرار السياسي والاقتصادي والخيري المحلي والإقليمي والعالمي، وحقه علينا الدعاء له بالتوفيق والسداد وأن يهيئ له البطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى من كمال المرء ورجحان عقله، وعمق تفكيره، أن يكون له ممن حوله إخوانا وأعواناً يعينونه على تدبير الأمور وترشيد المسيرة فتبذل النصح والمشورة، ولذا نجد من أنبياء الله ورسله عليهم السلام يسألون ربهم المعين والمؤازر، قال سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي. هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} فكان صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، نعم الولي للعهد والعضد الأمين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهو الرجل الذي يحمل تاريخاً حافلاً بالإنجاز، ففي كل مهمة أوكلت إليه كانت شواهد النجاح تدل على عقلية فذة ونفسية قادرة على كسب الفرص رغم الصعاب والمنافسة في عالم متغير لا ينتظر المتردد والمتأخر هكذا كان منذ أن حلّق في أسراب القوات الجوية الملكية السعودية ضابطاً طياراً، ثم مدرباً على الطائرات المقاتلة، ثم مساعداً لمدير العمليات الجوية، ورئيساً لقسم الخطط والعمليات في القوات الجوية الملكية السعودية ثم رئيساً للاستخبارات العامة، تلك الأهلية المتميزة جعلته سباقاً بنظر طموح لتسخير علوم الاتصال في الإصرار على التطوير باستخدام تقنيات الحكومة الإلكترونية.
ومن الفضاء إلى الأرض تكتمل المسيرة طيلة أكثر من عقدين من البناء والتطوير في منطقتي حائل والمدينة، وكان فيها مثالاً للإخلاص والنزاهة والتجرد من المظاهر، والحرص على لقاء المواطنين ومتابعة أمورهم.
فهنيئاً لنا بسموه منذ أن كان من صقور السماء إلى أن هبط قائداً في الأرض، وهنيئاً لسموه بمحبتنا ودعواتنا.
لا شك أننا نعيش واقعاً يصوره قول الله عزَّ وجلَّ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ونتقلب في نعمة يصورها قول الله عز وجل {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} فنحن بين نعمة نُمتحن في رعايتها وحفظها وحولنا من مثلات المصائب والكوارث ما يراه الأعمى ويسمعه الأصم مما حل ببعض البلاد حولنا من الفتن والحروب والفرقة والفقر والفاقة مما يقتضي أن نفزع إلى الله وأن نتمسك بديننا وعقيدتنا وأن نوحد صفنا في نسيج متناغم يسنده وليّ لولي العهد يكون رجلاً فذا يجمع بين الحلم والحزم والرحمة والعزم والفكر والنظر، فإذ بالبشرى تزف إلى أسماعنا بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف رجل المرحلة في زمن التحديات بل هو ابن بجدتها وفارس ميدانها، فعندما ينطق الصمت بلسان فصيح، والسكون بعمل دؤوب، والحلم في حزم لا مكان للغفلة معه، ويتوجه سهر ورباط يضمن بإذن الله طمأنينة العباد في أرجاء البلاد على دينهم وأعراضهم وأموالهم، فإن ذلك يعني أنني أتحدث عن محمد بن نايف.
إنه ربيب قلعة الأمن فكراً وميداناً استباقاً وحاضراً واستراتيجياً بل هو ذلك القائد الذي خاض مع صقوره ورجاله معارك طاحنة ضد الغلو والتطرف والإرهاب المؤدلج فحملوا أرواحهم على أكفهم وضحوا بأنفسهم على حدود البلاد براً وبحراً وفي أنحاء المسالك بين الطرق يدفعون ويواجهون جرائم العاديات لينعم غيرهم من أبناء الوطن بالأمن والأمان في دينهم وأعراضهم وأموالهم مهما نالهم من الأذى والقرح ولم يسلم هو نفسه من مكر الخيانة في ساعة منحه لطريدته الرحمة والأمان إذ حاولوا قتله بتفجير غادر فهلك الخائن وسلم الله سموه، ومن منا لا يعرف قيمة الأمن في زمن الفتن والاضطرابات التي تهلك الحرث والنسل.
محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، نشأ في كنف والده الأمير نايف -رحمه الله-، واستقى من مدرسته الفكرية ومنهجه السلفي وانفتاحه المؤمن بالحوار والتعايش ورؤيته المعاصرة ونظرته الأمنية ما جعل القادة الكبار يجمعون عليه خطاً أحمر لا يتجاوزه المفسدون في الأرض عبثاً أو فكراً، والمفسدون أجمعوا عليه رقماً صعباً يخسأ عنده عبثهم بأمن المجتمع فكرياً أو عقدياً، تغريبياً أو تخريبياً، لقد أجمع المختلفون على نجاح رؤيته الاستباقية في التجربة الرائدة والفريدة على مستوى العالم في معالجة الغلو بالحوار، ما دفع العديد من الدول إلى استنساخ هذه التجربة بعد أن أغلقت على كثير من مفكريها واستراتيجييها أبواب الحيلة وطرق العلاج، فكان مركز محمد بن نايف للحوار والمناصحة والأمن الفكري، منارة عالمية لتصحيح أفكار وتأهيل من تلوثت عقولهم بانحرافات يظنونها قصد السبيل على ما فيها من الجور والانحراف.
وإن من أمارات السداد وعلامات التوفيق لخادم الحرمين الشريفين أن وفقه الله لتعيينه ولياً لولي العهد حفظهم الله، في هذا الظرف العصيب الذي يعصف بالمنطقة كلها، سيما بالبلاد من حولنا، فأمواج الفتن تمور موراً، والاضطرابات تعصف من كل جانب، والثورات في هياج لا تعرف الجماهير فيها من يقودها وإلى أين يسوقها مدبروها، فإذ بها على رؤوسهم تتهاوى وترتد على أجسادهم أنقاضها، هذه الظروف تحتاج رجلاً صلباً وقامة مستبصرة ومبصرة لحجم الأخطار التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية، فكان محمد بن نايف رجل المرحلة ونبراس المسيرة، ليكون عوناً وناصحاً لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده، بما يحفظ الوطن ويدفع الخطر ويعين على استتباب الأمن بفضل الله وعونه وتوفيقه، اللهم ارحم فقيدنا وأيد مليكنا وسدد ولي عهده وولي ولي عهده واحفظ لنا ديننا وأمننا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
- بقلم: الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز