إن المرء في هذه الحياة يسعى جاهداً ما أعطي من موهبة وقدرة حتى لنفسه مفهموماً عاماً.. أو يكوّن لنفسه رؤية إجمالية.. صورة كليّة.. فالمصور، والرّسام والشّاعر، والموسيقار، والمعلم والمذيع، والفيلسوف، والعالم، والتّاجر، والطيب، والمفكر والمهندس.. كل واحد من هؤلاء يسعى نفس المسعى، فيمر متطور في نفس الطّريق، ويصعد نفس الدّرجات.. كل بطريقته.. من أجل الوصول لهذه الرّؤية الكيلة.. وذلك عن طريق الحراك والعراك المستتر الذي يحدث بين الفينة تلو الفينة بين أفراد كل أمة من الأمم بين كلمة جميلة تدعى المنافسة ذات أبعاد عميقة تحمل بين طياتها وجنباتها معاني عديدة وأهداف كبيرة حتى يصل الواحد من هؤلاء إلى الواحة الظليلة والملجأ الحصين، والمرفأ الآمن لكي يحيا الإنسان حياة متكاملة وينبغي أن يدرك تمام الإدراك أن الوصول إلى أيِّ مركز لا يتم إلا عن طريق المنافسة الشريفة لذا لا نطمح غاية أو هدفاً خارج نطاق الأمور سالفة الذكر لذا نحن لا نتعلم الأخلاق من قراءة الأدب مثلاً، ولكننا نتعلم لكي نقترب من إتقان أمور الحياة.. حيث إنها تعتبر من الأمور المهمَّة التي تساهم مساهمة فاعلة وذلك عن طريق ربط العلامات الإنسانَّية داخل المجتمع وخارجه.
وقد تم الحديث عن موضوع المنافسة في عدة جوانب وعدة مواضيع تشمل الأديان السّماوية.. وغيرها.
أما العلوم الحديثة فقد تطرقت لهذا الموضوع من عدة جوانب متعدِّدة الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي والجانب النفسي والجانب السياسي الذي لم يكن بمعزل عن الخوض في موضوع المنافسة التي برزت بشكل واضح وصريح على السطح. فقد تمكن المختصون في هذا المحايل من تصنيف المنافسة بصفة عامة على النحو التالي:
-1 المنافسة الشريفة هي التي تتحلى بقواعد الأخلاق.
-2 المنافسة غير الشريفة هي التي تتصف بقواعد الخداع والكذب والغش لكي تحقق أهدافها على حساب الآخرين.
-3 المنافسة المقيدة وهي التي تلتزم بطريقة منظمة.
-4 المنافسة الحرة وهي التي لا تلتزم بالقيود المحددة.
-5 المنافسة البناءة وهي التي يكون هدفها الحصول على الفوائد النافعة للفرد والمجتمع.
-6 المنافسة الهدامة وهي التي تؤدي إلى تحطيم الآخرين وتلحق بهم الأضرار والأذى.
-7 المنافسة النفسية وهي التي تتقيد بالرجوع إلى الماضي العريق والتفكير فيما تم إنجازه لما هو أفضل منه في المستقبل وهي أنبل أنواع المنافسة ويتوجب غرسها في نفوس الشباب منذ مقتبل العمر.
-8 منافسة الآخرين أيِّ المرء ينافس مجموعة ينتمي إليها.
-9 منافسة العطاء والمقصود بها تلك التي تكون مبنية على المشاعر الإيجابية مثل التآلف والتكاتف والتآزر وإيثار الآخرين على النفس وحب العمل الجماعي وهذا النوع الأخير من الحب الذي يسمى كذلك روح العمل الجماعي أو العمل ضمن فريق عمل واحد وهو ما نود شيوعه في مجتمعنا استجابة للمقولة (أحب لأخيك ما تحبه لنفسك).
-10 منافسة الأخذ وهي التي تكون موجهة نحو الاستيلاء على ما للآخرين من ممتلكات أو شهرة أو مكانة اجتماعية بشتى الوسائل المباحة وغير المباحة وهذه حالة مدانة نتمنى أن يشقى مجتمعنا منها.
-11 المنافسة على الخير وهي التي تهدف إلى بذل جهود إضافية والقصد منها خدمة للآخرين وهذا ما تدعو إليه الأديان السماوية كافة وذلك استجابة لهذه المقولة (إن خير الناس من نفع الناس).
-12 المنافسة على اقتراف أبجديات الشر مثل العدوان والإثم الذين غالباً ما يكونون الآخرين فريسة للفساد والرشوة والمحسوبية وكذلك الشهوات الجنسية.
فإن أصحاب الاختصاص الذين صنفوا هذه الأمور فإنهم يشيرون أولاً وقبل كل شيء إلى أسس الحقد والحسد والكراهية ذلك أن المرء في هذه الحالة تكون غايته وهدفه المهم الحصول على الشهرة أو المال أو السلطة أو المكانة الاجتماعية حتى وإن كان الأمر على أكتاف الآخرين أو حرمانهم من أوجه الحق.
ومن تلك الأمور التي دعت إلى خلق المنافسة نذكر على سبيل المثال الطمع المبالغ منه والجشع الذي هو عكس الطموح المشروع.
ليس معنى هذا أن المرء يتجاهل معنى المنافسة المبنية على قواعدها الصحيحة التي تحقق أهدافها وغاياتها النبيلة وحقائقها الجميلة.
أو أنه يتنكر لتلك الفضائل أو الأعراف والتقاليد بموقف سلبي ولكن المقصود به أنه مطالب بالمنافسة الشريفة في كافة شؤون الحياة حتى يحقق غايته أولاً وأهدافه ثانياً التي يسعى إليها جاهداً وهو الوصول إلى هدفه ومراده ومبتغاه بإتقان وإبداع.
أما المنافسة المبنية على الغطرسة والتكبر والعلو والظلم والتسلط والعنترية وانعدام العدالة فإنها تسهم في إذكاء واستشراء المنافسة بين أفراد المجتمع بصفة عامة.
والله الموفق والمعين..