قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (41) سورة الروم وقال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} (33) سورة المائدة من هذا المنطلق التحذيري من رب العباد لظاهرة سلبية موجودة في أكثر المجتمعات.
ظاهرة تدل على الضعف الإيماني والنفسي لمن يتعامل مع هذه الظاهرة.. ظاهرة الفساد والفساد في أحد تعريفاته هو إلحاق الضرر والمفسدة سواء باستخدام لوظيفة أو لعمل موكل لهذا الشخص لكي يحصل على منفعة ذاتية تتبلور في شكل من أشكال انتهاك القواعد الرسمية لكي يبيح لنفسه ما هو محرَّم عليه.. وظهور الفساد ليس بالجديد، بل هو ممتد إلى عصور سالفة ويكون واضحاً بالخصوص في العمل الإداري الذي يلعب دوراً كبيراً في ظهور الفساد في المجتمع.. وكما ذكرت سابقاً ليس بالجديد، بل كان لظهوره إخلال في التركيبة الإدارية من حيث النشاطات التي تتم داخل جهاز إداري حكومي وهي بذلك تحدث شرخاً عميقاً في الوفاء بالمهام الموكلة لكل شخص يعمل في هذا الجهاز من حيث المبدأ.
والهدف الذي من المفروض أن يكون أساسياً في العمل الإداري هو البناء والتفاني والحفاظ على مكتسبات الوطن، وللفساد الإداري وجوه وأقنعة متعددة تصب جميعها في تركيبة الخيانة والاختلاس الذي لا يبيحه منطق ولا عرف وممقوت، بل محرّم دينياً ووطنياً يقول الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة.
إن من المعروف أن لمثل هذه الظاهرة في أي مجتمع عدة وسائل نذكر منها وهي جميعاً تؤدي إلى اختلال في التركيبة الوطنية والانتماء للوطن بإخلاص والحب والنقاء والخوف من الله، ولنذكر مثلاً واحداً وهو من أبشع العناصر التي تساهم في تفعيل مركزيتها في الفساد الإداري والسطو على أموال الدولة أو من ميزانية الجهة التي يعمل فيها، حيث يكون بيع الضمير الإنساني بعيداً عن مسماه الحقيقي فكما هو معلوم لدى الجميع أن الإنسان مسؤول عن العمل من حيث الإخلاص والمحافظة على الأمانة يقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (81) سورة يونس. وهنالك مسميات تدور حول الفساد ألا وهي استغلال منصبه أو مركزه مثل التعتيم على بعض المشروعات المعتمدة واستخلاص رشوة أو مبلغ من أصحاب المناقصات غير الجيدة في القيام بمشروع ما.. وهذا هو الفساد بعينه، حيث اقترف جريمتين: جريمة بحق الوطن وجريمة بحق الدولة وذلك عندما يوكل أمراً مهماً في البناء إلى مؤسسة غير جديرة بالعمل في هذا المشروع ليس إلا أنه استخلص لنفسه مبالغ مالية لمجرد التوقيع على هذا المشروع أو خلافه ناسياً أن أهمية الوطن ومصالحه تأتي في المقام الأول من حيث التفاني، وأنا أقول إن هذا الوطن لا يشرّفه أن يكون لمثل هؤلاء هوية وطنية قال تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} (40) سورة يونس، نعم إن غابت أعين الناس فهنالك رب الناس أعلم.
وهنالك بعض الحلول للحد من هذه الظاهرة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وضع قسم وظيفي يطبّق على كل رئيس قسم... وضع كل من له علاقة بالمشاريع والشؤون المالية تحت المجهر الرقابي حتى لا يتفشى هذا المرض لأن وجود مفسد واحد قد يؤثّر على مجموعة أو أقرانه من خلال انتهاك القواعد الرسمية والإجراءات الإدارية وهذا الشيء يؤثِّر في الوظيفة والخروج عن مسمياتها.. تطبيق الجزاء الرادع لمن تثبت عليه ظاهرة الفساد.
ولو نظرنا إلى بعض التعريفات من بعض العلماء لوجدنا خطر هذه الظاهرة على المجتمع، فمثلاً العالم كريستوفر كيوبر يقول: إن الفساد هو استخدام السلطة العامة من أجل تحقيق أهداف خاصة ومكاسب شخصية بطرق غير شرعية.
أسأل الله رب العرش العظيم أن نكون أمناء على ما أوكل إلينا حريصين على هذا الوطن ومكتسباته في ظل حكومتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي عهده الذين لم يبخلوا أو يقصّروا في خدمة هذا الوطن لكي يكون في مصاف الدول تقدماً ورقياً.
- أبها