هل من المصادفة أن تكون اللفظتان إرهاب وسياحة متشابهتين لهذه الدرجة Tourism - Terrorism، أم أن هذه السياحة على طريقة جحافل التتار من إهلاك للحرث والنسل، جاءت وفق خطط جهنمية معدةٍ سلفاً للجور والطغيان والبغي والظلم والاستبداد والإفساد في الأرض.
أجل إن هذه المصطلحات هي ما ينطبق مبنىً ومعنىً على أفعال هؤلاء الطغاة والبغاة والظلمة والمستبدين المفسدين في الأرض، الذين {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ} (64 سورة المائدة).
كفى الله المسلمين شرورهم وردها في نحورهم، ولعل في هذا التجني والتلبيس وتحريف الكلم عن مواضعه ما يؤكّد للانهزاميين والمستبعدين نظرية المؤامرة على الإسلام وأهله الحقيقيين أن المسألة ليست إرهاباً - أقولها تجوزاً - في القول فحسب، بل هي في القول والفعل معاً.
يقول الشيخ الأديب الفقيه المسدد أبو عبدالرحمن بن عقيل - وفّّقه الله لكل خير- على صدر هذه الصحيفة الرائدة (الجزيرة): والترويع والإرهاب مختلفان في أصل الاشتقاق، متفقان اتفاق الترادف على أحد المعاني المشتقة.. أريد المعنى الحكمي في ديننا المطهر لا على المعنى التضليلي الذي لبس به علينا الأغيار. ثم يسترسل موضحاً إلى أن يقول: والنص الشرعي الكريم هو قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (60 سورة الأنفال).
فهل هناك أرحم أو أكرم من هذا النص الشرعي، وليس فيه أدنى علاقة بالمعنى الذي افتروه على كلام الله؟!
فمن معانيه النصيّة الاستنباطيّة التي لا يتزحزح اليقين بها عدد من الحقائق، ويذكر جزاه الله خيراً: الانتصار لدين الله حال الاعتداء الغاشم علينا، والدفاع عن النفس من العدوان بغير حق من قبل من أعدوا قوة لا قبل لنا بها. ليس غريباً من شيخ متبحر - نحسبه والله حسيبه - أوتي بصيرة نافذة، وحكمة متئدة، وغيرة متناهية على هذا الدين المحفوظ بحفظ الله له أن يفنّد مثل هذه الدعاوى الباطلة.
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها
بينات أصحابها أدعياء
أنها تسمية ينطبق عليها - وهي من عندي- أسأل الله أن أكون محقاً فيها: نصاعة الحق في مواجهة صناعة الباطل.
تذكّرني كتاباته واستطراداته من خلال الجزيرة، بهذا الحديث الشريف: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب فأمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي اُرسلت به» في البخاري ومسلم.
ترى ما الذي يطلقونه على أنفسهم من مسميات وهم يقذفون بنيران حممهم التي ترمي بشرر مميت منازل الآمنين الأبرياء! حمائم سلام!! وما الذي يناسبهم من نعوت وهم يسرقون البلدان بلداً إثر آخر ويهجّرون أهليها قسراً في تطهير عنصري مقيت أمام أعين العالم!! لصوص ظرفاء!! أو وهم يتسلطون بميليشياتهم المعبأة حقداً ونيراناً لزرع الموت والفرقة والشتات! مناضلون شرفاء!!
الذي نسمعه ويالعجب ما نسمع أنها حرب على ما يسمونه الإرهاب. إن كان كذلك فليقولوا كم هي نسبة صناعتهم له تواطؤاً واستفزازاً.
لا يمكن تحليل ما يجري بعين الإنصاف بمعزل عن التوترات الدولية والتدخلات السافرة التي ساعدت على نشوء مثل هذه الكوارث، ولا إسهام الغرب نفسه في زيادة الاحتقان عندما يقوم إعلامهم بالمساس بالإسلام مباشرة، دون مراعاة لمشاعر الملايين بحجة (حرية التعبير) الفضفاضة أيضاً.
إعلام (حرية التعبير) هذا، هل جرب القائمون عليه التشكيك أو التقليل من أعداد ضحايا المحرقة النازية وما يُسمى بـ( الهولوكوست) المضخّمة؟ أم أن خشية الاتهام بمعاداة السامّية تجعلهم لا ينبسون ببنت شفة!!
إن حرية التعبير هذه، والمصداقية التي طالما تبجحوا بأنها ما يميز إعلامهم، ما هما إلا وجهان لعملة واحدة مفادها أن متطرفي الغرب لا يقلون سوءًا عن متطرفي الشرق لو كانوا يعلمون!
لقد أضحى لهذه الجماعات الفاسدة بؤراً تعشعش فيها، لتنتج عقولاً نخرة همها القتل وصلت حد استخدام الإنترنت والتغلغل فيه للتأثير في الناشئة. يبلغ التدليس مداه مما يجعل الحليم حيراناً حتى تخور قواه، هذه الجرأة العجيبة ممن هم أصل كل بلاء وشر مستطير في هذا الكون وهم يعلنون عن تصديهم للإرهاب والإرهابيين وهم إما مطلوبون سابقون ولاحقون للعدالة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية جمعاء.. ومحتلون! وإما غاضّو الطرف عن ما يرتكب ومتواطئون.. متحايلون! وإما خونة دمروا بلدانهم وباعوها للأبالسة فهم.. منحلون!
يقول الشيخ الدكتور عبدالله التركي في محاضرة بعنوان (الأمن والإعلام) إن الأكاذيب الإعلامية التي تُغرق العالم على مدى دقائق الليل والنهار بالزور والبهتان والإرجاف والإفك والافتراء تصدر عن نفوس وعقليات فقدت الإيمان بالله، فجاء أعلامها من ثم غير مؤتمن على الحقائق والمعلومات والأخبار.
الإعلام الصادق النزيه وظيفته الأساس أن يكون سداً منيعاً في وجه هذه المؤامرات الدنيئة ودحضها كما فعلت صحيفة الجزيرة الرائدة درءًا للمفاسد المترتبة عليها وحماية للعقول من آفاتها، وقياماً بواجب الدور المناط بها وهو بناء المجتمع بناء سليماً.
الخلاصة إن تطابق الأفعال مع الأقوال لا يكون إلا ممن كانت منطلقاته وتوجهاته تحكمها تعاليم ربانية تنشد الخير والأمن والسلام للبشر كافة.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107 سورة الأنبياء)، لا قوانين وضعية تروم تحقيق مصالحها الآنية وفق سياسات استعلاء وتسلط وتجبر ظاهرة للعيان.