فيلاديلفيا - عبدالمحسن المطيري:
ما يميّز الفيلم البريطاني للمخرج النرويجي مورتن تيلدوم «The Imitation Game» أنه قادر بشكل شمولي على إيصال أجواء الحرب العالمية الثانية بكل تفاصيلها وهو الأمر الذي اعتدنا عليه من قبل صناع الأفلام الأوربيين، الذين يتميّزون بقدرتهم الفائقة على خلق عوالم من العقود الماضية.
ويقدم الفيلم قصة حقيقية حول عالم رياضيات يدعى آلن، مهمته الرئيسية التعاون مع المخابرات البريطانية من أجل فك شفرة معقدة يستخدمها الجيش الألماني، من أجل تنفيذ هجمات جوية على مواقع حيوية وهامة تابعة للحلفاء، وبفك الشفرة سيصبح الحلفاء أكثر قدرة على تحديد الأهداف، التي تنوي قوات المحور تنفيذها في المحيط الأطلسي، والتي من خلالها سيتم تحويل مسار الحرب لصالح الحلفاء، لقوات هتلر هدف واضح وهو تعطيل السفن التي تمول «لوجستياً» الجيش البريطاني والفرنسي بالسلاح والطعام، تلك الإستراتيجية التي استخدمتها قوات الرايخ الثالث، كان لها الأثر الأكبر في تحقيق انتصارات واضحة وتقدم مذهل للقوات الألمانية في الجبهة الغربية.
يقدم لنا الفيلم حياة آلن الشخصية الغامضة والتي تبدأ بفلاش باك حول طفولته الشائكة والتي تتمحور في المدرسة ومن خلالها نشأت علاقة قد تثير الجدل بينه وبين أحد الطلاب، والتي على إثرها نعرف أننا أمام شخصية تواجه صراعاً حول تحديد الهوية العاطفية لديه، تتقدم القصة بعد أن تعرف على سيدة تتميّز بالذكاء الشديد لتساعده مع فريق من علماء آخرين لديهم تحد وسباق مع الوقت، من أجل إجهاض العمليات الناجحة التي سطرها الجيش النازي تجاه مواقع إستراتيجية لقوات الحلفاء. يقدم الفيلم أيضاً نقطة تاريخية هامة، وهو الحلف الذي دار بين الجبهة الغربية بقيادة بريطانيا مع الجبهة الشرقية، من خلال التواصل والتنسيق الأمني والاستخباراتي مع الاتحاد السوفيتي، والذي كان له الأثر الكبير في شل تقدم قوات المحور في الصراع الشرقي في القارة الأوروبية.
ويواصل الفيلم من دون أي ارتباك في تقديم إثارة سينمائية، مع شخصية بالغة التعقيد، والأهم هو قدرة الفيلم الواضحة في تثبيت نفسه كأحد أهم أفلام الموسم، من نواحي عدة، لعل أبرزها الأداءات الممتازة من الجميع، والتنفيذ الفني والإخراجي من خلال تقديم ميزان واقعي لفترة الحرب، ومؤثرات بصرية وصوتية جيدة، والأهم هو السيناريو المتكامل والذي ربما كان بارداً في البداية، مع التلاعب في الزمن الاستعراضي في القصة، والتي مع دخول الفيلم مراحل حاسمة كل شي يبدو مبرراً.
فيلم متميّز وينصح أن يشاهده الكثير من صناع أفلام هوليوود، فلربما يتعلمون من زملائهم البريطانيين والنرويجيين طريقة تنفيذ سينمائية محكمة ورائعة.