إشارة إلى مانشر في العدد رقم 15444 الصادر يوم السبت الموافق 19 من ربيع الأول 1436هـ، تحت عنوان: «الشريف لـ(1200) مبتعث: هدفكم الوحيد ما تصبو إليه قيادتنا من كسب للعلم والمعرفة للرقي بالوطن».. حيث استعرض، مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية الأستاذ عبدالإله الشريف وعبر محاضرتين توعويتين.. مخاطر هذه الآفة السامة ومثالبها أمام أكثر من 1200 طالب وطالبة من طلاب المبتعثين.. محذرهم من الوقوع في فخ المخدرات وإدمانها، داعياً إلى التحلي بالقيم والمبادئ الإسلامية.. الخ.
وتعليقاً على هذه الظاهرة العصرية المستوردة (المخدرات)، أقول من نافلة القول: «إن المخدرات وكما يعّرفها علم الاجتماع الجنائي: بأنها مادة طبيعية أو مصنعة تعمل في جسم الإنسان وتؤثر عليه، فتغير إحساسه وتصرفاته وبعض وظائفه، وينتج عن تكرار استعمال هذه المادة نتائج خطيرة على الصحة الجسدية والعقلية للمتعاطين، وتأثيرها يمتد على الفرد والأسرة والمجتمع». ولا شك أن هذه الظاهرة السرطانية.. تمثل مرضاً عضالاً يفتك بالجسد الاجتماعي، وخطراً يهدد أمن المجتمع ومنظومات القيم والمعايير والضوابط الأخلاقية للسلوك الاجتماعي، كما تشكل بسمومها الفتاكة أزمة حالكة، وقضيه عالمية أخذت شبكتها في الانتشار.. وأبعادها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والنفسية والصحية.. باتت تهدد المجتمعات البشرية على اختلاف مستوياتها المتقدمة والمتخلفة على وجه العموم. وبالتالي وأمام غول تعاطي وترويج المخدرات باتت هذه الظاهرة العالمية تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات الباحثين الاجتماعيين والمفكرين ورجال السياسة والمعنيين بمسائل الضبط الاجتماعي نظراً لما تحمله رياح هذه المواد الفتاكة (الوافدة) من آثار سلبية وتدعيات خطيرة على البناء الاجتماعي ووظائفه الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والأمنية والسياسية.. فهي مواد سامة تدّمر أدمغة متعاطيها، وتشلّ إرادة الأفراد، وتذهب عقولهم.. وتحيلهم لأفتك الأمراض والأسقام.. متى ما سلك الإنسان طريقها الهالك. فإنه بالتالي يصبح أسيراً لها، خصوصاً أن طريقة تعاطيها سهل، ولكن الخروج من مستنقعها والتحرر من سمومها صعب جداً جداً!! ومن آثارها (الأسرية) أنها تحدث شرخاً كبيراً داخل النسق المنزلي.. فينشأ التوتر والشقاق والخلافات والعداوة والبغضاء والمنازعات والعنف الأسري ومظاهره، مما يلقي ذلك بظلاله على المجتمع وبنائه فيصبح المجتمع مجتمعاً مريضاً بأخطر الآفات ومثقلاً بأوجاعه وأسقامه، يسوده التمزق والكساد والتخلف، وتعّمه الفوضى، ساعتها يكون فريسة سهلة للأعداء للنيل منه في عقيدته وثرواته ومدخراته، لأنه إذا ضعف الأفراد ضعف المجتمع، وإذا ضعف إنتاج الوطن أصبح بالتالي خطراً على الاقتصاد الوطني ومكوناته.. ومعروف أن هذه السموم الفتاكة كعملية معقدة تدخل فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية والثقافية, ولذلك فهي تتطلب مواجهة شاملة ومتكاملة على المستويين الإقليمي والدولي للتصدي لهذا التحي وإرهاصاته على المجتمعات الإنسانية بأسرها, خصوصاً أن آفة المخدرات لا تقل خطورة عن لوثة الإرهاب وتنظيماته الضلالية التي باتت بمفاهيمها المنحرفة وأمراضها الفكرية المعقدة تهدد الأمن الاجتماعي للمجتمعات المنتشرة فيها، والأكيد إن مجتمعنا السعودي الفتي الذي يعيش مرحلة شبابه في واقعنا المعاصر، باعتبار أن فئة الشباب في هرمه السكاني، تشكل ما يقارب 65% من تركيبته الديموغرافية.. يعد من المجتمعات التي لم تسلم من دخول هذه المواد السامة ووجودها رغم الجهود الأمنية الجبارة في ضبط كميات كبيرة وإحباط مخططات العصابات والمروجين لهذه الآفة الفتاكة التي تستهدف عقول شبابه وأبنائه, على اعتبار أن المملكة جزء لا يتجزأ من هذا العالم تتأثر به (ميكانيكياً), وتتفاعل مع تحولاته ومتغيراته, خاصة بعد أن أصبح العالم كالقرية الصغيرة (ثقافياً) نظراً للانفجار التقني والتطور التكنولوجي في شتى المجالات، إضافة إلى أن المملكة تتميز بخصائص عدة، كموقعها الجغرافي وحدودها المترامية الأطراف, علاوة على كثرة الدول المشتركة معها في الحدود, ووجود الأماكن المقدسة التي تستقبل مئات الألوف سنوياً لأداء مناسك الحج والعمرة, عوامل جعلت من المملكة العربية السعودية دولة مستهدفة من الأعداء والمتربصين.. لترويج ونشر هذه الآفات السامة بهدف تدمير عقول شبابها وأدمغة أبنائها..!! ولذلك من الأهمية بمكان تضافر وتناغم الجهود المشتركة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية في رفع سقف (الوعي المجتمعي) وحماية عقول الشباب من كلا الجنسين.. من آفة المخدرات وترويجها وتعاطيها داخل نسيجنا الاجتماعي. وهذا الاتجاه الحضاري وتجسيده يحتاج بالطبع إلى مبادرات واعية من هذه المؤسسات الاجتماعية.. فالأسرة التي تمارس الضبط الاجتماعي في إطار عملية اجتماعية كبرى.. وهي عملية التنشئة الاجتماعية والنفسية والقيمية والتربوية والثقافية.. لها دور محوري في الحفاظ على أبنائها من السلوك المنحرف, ومن تعاطي المخدرات وتنشئتهم وتربيتهم التربية الحضارية التي تقيهم شر أصدقاء السوء والوقوع في براثن هذه الآفة السامة, كما أن للمدرسة إسهامات قيمية وسلوكية وفق أسس بيدوغوجية في الحد من ظاهرة تعاطي المخدرات وتوعية وتوجيه النشء التوجيه السليم.. وخلق جيل واع يدرك مخاطر الانحراف وطريق المخدرات, علاوة على إدراج المواضيع الأمنية الخطيرة كتعاطي المواد الفتاكة وترويجها.. داخل المناهج التعليمية بطقة علمية وموضوعية,.. من الممكن أن تحد من انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين الطلاب.. كما أن وسائل الإعلام المختلفة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية المهمة التي تلعب دوراً (بنيوياً) في حياة الشعوب والمجتمعات.. وفي تعديل السلوك وتغير اتجاهاته وتعزيز قيم الوعي المجتمعي والبناء الثقافي التنويري على نحو يسهم في التصدي لهذه الظاهرة المستوردة وإسقامها, إضافة إلى أهمية مرتكزات المؤسسات الدينية وتفعيلها من خلال المنابر الإعلامية أو خُطب الجمعة، والمواعظ، خصوصاً أن هناك دراسة متخصصة أظهرت معطياتها العلمية إن تأثير خُطبة الجمعة في إيصال المضمون والتوجيه والإرشاد الأسري والتوعية المجتمعية أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز, كما أن (الطبقة المثقفة) ونشاطها الحيوي في أنديتها الأدبية والثقافية لها (حراك) فاعل في نشر مفهوم الوعي واتجاهاته الحضارية داخل النسيج الاجتماعي، والنهوض بقالب التنوير الثقافي السوسيولوجي.. بما يسهم في ضبط توازن هذه الظاهرة الفتاكة, وأخيراً وليس آخر لا نغفل عن المؤسسات الاجتماعية المعنية بالشأن الأمني ودورها التوعوي.. الوقائي.. العلاجي من خلال تنظيم الندوات الثقافية والملتقيات الفكرية، وعقد ورش العمل التربوية المكثفة التي تبث روح الوعي وحماية العقول والأدمغة الشابة من غول المخدرات ومثالبها, بالتعاون مع مؤسسات التعليم العالي. وبالتالي فإن انسجام وتكامل هذه الأدوار المجتمعية.. لا شك سيّحد من أزمة تفاقم هذه الظاهرة الوافدة (المخدرات).. في نسيجنا المجتمعي.. وأضرارها المدمرة للقيم والعقل والفكر والدين.