تونس - فرح التومي:
بدأت أصوات الاستنكار تتعالى هنا وهناك منددة بتباطؤ الإعلان عن التركيبة النهائية لحكومة الحبيب الصيد التي ستخلف حكومة المهدي جمعة المؤقتة، في وقت يزداد فيه التشويق لمعرفة أسماء الشخصيات التي ستتقلّد مناصب حكومية وتحديداً الأسماء التي تنتمي إلى حركة النهضة خاصة بعد أن عبرت الحركة عن رغبتها في المشاركة في حكومة وحدة وطنية شرط تحييد وزارات السيادة والنأي بها عن كل التجاذبات الحزبية. إلا أن تلكؤ حزب نداء تونس الفائز بالأغلبية البرلمانية والمعني مباشرة بتشكيل الحكومة الجديدة، فتح الباب على مصراعيه لتنبؤات وتسريبات متباينة مما جعل المشهد السياسي يغلب عليه التوتر والاحتقان بسبب رفض الجبهة الشعبية اليسارية الاصطفاف وراء النداء واختيارها التموقع في المعارضة في حال أقدم النداء على التوافق مع النهضة مرة أخرى بعد ما حصل من تناغم بين الحزبين في مجلس نواب الشعب الجديد.
وترى وجوه مستقلة أن التوتر الحاصل على مستوى علاقة النداء بالجبهة الشعبية تقابله مشاورات شبه يومية بين النداء وحليفته المفترضة حركة النهضة فيما تغلب قلة الوعي السياسي لدى القيادات الجبهوية على تصريحاتها المتناثرة هنا وهناك والتي اصطبغت منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية بالكثير من التردد خاصة فيما يتعلّق بدعم الباجي قائد السبسي ضد منافسه المنصف المرزوقي.
ويبدو أن السبسي الذي لم ينس للجبهة اليسارية هذا الموقف، ماض في توافقه مع القيادة النهضوية ناهيك وأن تكليفه الحبيب الصيد بتشكيل الحكومة الجديدة صدر بعد مفاوضات أجراها مع زعيم حركة النهضة في ظل ما يوصف بـ»الضغوطات الدولية والعربية» لعدم إقصاء النهضة من المشهد السياسي وقطع الطريق أمامها حتى لا تشكل جبهة معارضة قوية قد تضع العصا في طريق أية حكومة ائتلافية بدونها.
إلا أن ما يخشاه التونسيون اليوم أن تتراجع الجبهة الشعبية ذات 15 مقعداً بالبرلمان الجديد عن منح ثقتها لحكومة الحبيب الصيد لدى عرضها على مجلس نواب الشعب بعد تشكيلها، إلا أن الناطق الرسمي باسمها حمة الهمامي، أعلن أنه لا مجال إلى ذلك ما دام نداء تونس لم يقرّر بعد تشريك النهضة رسمياً... مضيفاً أنّ تشريك النهضة في الحكم يعتبر تراجعاً عن الوعود التي قطعها النداء خلال حملته الانتخابية وتأكيده بعدم التحالف مع النهضة في الحكم.
ويرى محلّلون سياسيون أن انتظار الشعب التونسي للحكومة الجديدة قد طال أكثر من اللازم مؤكدين أنه ليس من الضروري إجراء كل هذه المفاوضات وتشريك كافة الفرقاء السياسيين ما دامت التركيبة المنتظرة لن تحوز على رضا الجميع. وفي المقابل، يعتقد شق من المتتبعين للشأن السياسي المحلي أنه «من الواضح أنّ الحبيب الصيد يمتلك رؤية واضحة في الانفتاح على كلّ القوى الوطنيّة من أحزاب ومنظمات ويبدو أنّ الرجل صاحب قُدرة واسعة في قبول الآراء والاستماع إلى مختلف وجهات النظر دون إقصاء أو استثناء، كما أنّه قرأ جيّداً المشهد السياسي وما أفرزتهُ الانتخابات الأخيرة من معطيات ومؤشرات، وهو أيضاً على وعي بدقّة المرحلة التي تمرّ بها البلاد ومستوعب لضرورة توفير الأرضيّة المثاليّة قبل الانطلاق في العمل وبهدف ضمان النجاح.»
والغالب على الظن أن التونسيين الذين استبشروا بنجاح الانتخابات وبتكليف الحبيب الصيد الشخصية المستقلة بتشكيل الحكومة الجديدة، لا يزالون على ثقة بأن الرجل بفضل خبرته وحنكته السياسية قادر على «التأليف» بين الفرقاء السياسيين.