القاهرة - وكالات:
شارك أمس أكثر من ألفَيْ شخص من محبي «سيدة الشاشة العربية» فاتن حمامة، التي غيبها الموت السبت، في مراسم تشييعها في القاهرة. وأُقيمت مراسم تشييع الممثلة الأكثر شهرة في تاريخ السينما المصرية بعد ساعات قليلة من وفاتها في مسجد الحصري بضاحية 6 أكتوبر (جنوب غرب القاهرة)، ثم نقل جثمانها إلى مدافن أسرتها في المنطقة نفسها.
وحضر الجنازة العديد من الفنانين، من أبرزهم الممثلان المصريان محمود ياسين وحسين فهمي والممثلة المصرية إلهام شاهين.
ومن السياسيين كان أبرز المشاركين الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الذي أصدر بياناً «نعى فيه إلى الشعب المصري والشعوب العربية رمزاً من رموز مصر وقوتها الناعمة». وأضاف «كانت فاتن حمامة سفيرة فوق العادة لمصر، وتراثها وقيمها وللمرأة المصرية، وكانت دائماً تعبّر عن أجمل ما فينا، وكانت تنشر الحب والجمال حيثما ذهبت».
كما أصدر رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب بياناً، أكد فيه أنه بغياب فاتن حمامة «فقد الفن الراقي أحد أعمدته الأساسية».
وفي بيان نعاها فيه، قال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إن «فاتن حمامة سوف تظل رمزاً من رموز الفن المصري والعربي الرفيع على مدار عصوره، وقيمة عظيمة، ساهمت في تشكيل الوعي العربي والارتقاء به». وتابع بأن «اسمها سوف يقترن بتاريخ مصر الرائد في النهوض بالفنون بالوطن العربي». ونعت رئاسة الجمهورية المصرية مساء السبت الفنانة الراحلة «رمز الفن المصري الأصيل، والالتزام بآدابه وأخلاقه».
وبوفاة الفنانة فاتن حمامة أو «سيدة الشاشة العربية» فاتن حمامة خسرت الساحة الفنية العربية واحدة من أبرز الوجوه الدرامية التي شكلت محورا هاما في الإبداع، وبدأت فاتن حمامة التمثيل في السينما في سن العاشرة ومثلت في أكثر من مئة فيلم وعملت مع أكبر المخرجين المصريين والممثلين وبينهم زوجها السابق عمر الشريف، وتعتبر فاتن حمامة من قبل الكثيرين علامة بارزة في السينما العربية حيث عاصرت عقودا من تطور السينما في مصر وساهمت بشكل كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام لدور المرأة العربية من خلال تمثيلها منذ 1940. وتم اختيار 18 من أفلامها ضمن أفضل ما أنتجته السينما المصرية.
وولدت فاتن حمامة في 27 مايو 1931 في السنبلاوين أحد مدن محافظة الدقهلية، وذلك حسب سجلها المدني لكنها ـ وحسب تصريحاتها ـ ولدت في حي عابدين بالقاهرة ، وكان والدها موظفا في وزارة التعليم، وبدأ ولعها بعالم السينما في سن مبكرة عندما كانت في السادسة من عمرها، حيث أخذها والدها معه لمشاهدة فيلم في إحدى دور العرض في مدينتها، وكانت الممثلة آسيا داغر تلعب دور البطولة في الفيلم المعروض، وعندما بدأ جميع من في الصالة التصفيق لآسيا داغرـ واستنادا إلى فاتن حمامة ـ فإنها قالت لوالدها إنها تشعر بأن الجميع يصفقون لها، ومنذ ذلك اليوم بدأ شغفها بعالم الفن والسينما.
وعندما فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر، أرسل والدها صورة لها إلى المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في فيلم (يوم سعيد) عام 1940، واقتنع المخرج محمد كريم بموهبة الطفلة فأبرم عقدا مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله السينمائية المستقبلية، وبعد 4 سنوات استدعاها نفس المخرج مرة ثانية للتمثيل أمام محمد عبد الوهاب في فيلم (رصاصة في القلب) عام 1944، ومع فيلمها الثالث (دنيا) عام 1946، استطاعت وضع قدم لها في السينما المصرية وانتقلت العائلة إلى القاهرة تشجيعا منها للفنانة الناشئة، ودخلت حمامة المعهد العالي للتمثيل عام 1946. وأتيح لها أن تعمل مع معظم مخرجي السينما ابتداء من محمد كريم في (يوم سعيد) ثم بركات ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف وانتهاء بخيري بشارة في (يوم مر.. يوم حلو) عام 1988 وداود عبد السيد في آخر أفلامها (أرض الأحلام) عام 1993.
كما وقفت أمام معظم نجوم التمثيل والغناء في مصر ابتداء من يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمد فوزي وفريد الأطرش وعد الحليم حافظ وانتهاء بمحمود ياسين ومحمد منير ويحيى الفخراني. وأطلق عليها في سبعينيات القرن العشرين لقب (سيدة الشاشة العربية). وفي استفتاء حول أفضل مئة فيلم مصري بمناسبة مئوية السينما عام 1996 جاءت فاتن حمامة في المرتبة الأولى حيث تضمنت القائمة أكبر عدد من الأفلام التي شاركت في بطولتها متقدمة غيرها من الممثلات المصريات في القرن العشرين.
ومن بين أفلامها في تلك القائمة (ابن النيل) و(المنزل رقم 13) و(صراع في الوادي) و(دعاء الكروان) و(الحرام) و(إمبراطورية ميم) و(أريد حلا).
وقدم فيلم (أريد حلا) قدم نقدا لاذعا لقوانين الزواج والطلاق في مصر. وبعد الفيلم قامت الحكومة المصرية بإلغاء القانون الذي يمنع النساء من تطليق أزواجهن وبالتالي سمحت بالخلع. ولم تخرج حمامة كثيرا في اختياراتها السينمائية عن أدوار الفتاة المظلومة أو السيدة الجادة التي تواجه الاضطهاد بالصبر. وحين جربت أن تقوم بدور مختلف في فيلم (لا أنام) الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1957 فشل الفيلم تجاريا.
وقامت حمامة في هذا الفيلم بدور فتاة شريرة مصابة بعقدة تجاه والدها فلا تحتمل فكرة أن تستمر معه زوجة حيث كانت تسارع إلى تدبير المكائد لزوجات أبيها.
واحتشد الفيلم بأكبر عدد من النجوم الذين لم يتح لفيلم آخر أن يجمع بينهم في تاريخ السينما المصرية ومنهم عمر الشريف ويحيى شاهين ورشدي أباظة وعماد حمدي وهند رستم ومريم فخر الدين. وأرجع نقاد فشل فيلم (لا أنام) إلى دهشة المشاهدين أو صدمتهم في نجمتهم المفضلة التي عودتهم على نمط محدد يبدو حتى من عناوين أفلامها السابقة ومنها (ملاك الرحمة) و(نور من السماء) و(اليتيمتان) و(أنا بنت ناس) و(ست البيت) و(ارحم دموعي) و(أشكي لمين) و(ظلموني الناس) و(حب ودموع).
تزوجت فاتن حمامة من المخرج المصري عز الدين ذو الفقار (1919-1963) الذي أخرج لها بعض الأعمال. وبعد طلاقهما وزواجها من الممثل المصري عمر الشريف أخرج لها ذو الفقار أفلاما منها (موعد مع السعادة) وشاركتها في بطولته ابنتهما نادية عز الدين ذو الفقار و(طريق الأمل) و(بين الأطلال) و(نهر الحب) وقام عمر الشريف ببطولة الفيلم الأخير. وتزوج الشريف وفاتن عام 1955 ولهما ابن واحد هو طارق عمر الشريف.
وقامت حمامة ببطولة عدد محدود من المسلسلات التلفزيونية ومن بينها (ضمير أبلة حكمت) و(وجه القمر).
ونالت الممثلة الراحلة عددا من الجوائز في مهرجانات عرية وأجنبية منها جائزة من مهرجان طهران عام 1977 عن فيلم (أفواه وأرانب) وجائزة أحسن ممثلة من مهرجان قرطاج عن فيلم (يوم مر.. يوم حلو) عام 1988 كما كرمت عن مشوارها الفني في بعض المهرجانات العربية وآخرها المهرجان الدولي الأول لفيلم المرأة بالمغرب عام 2004.
وكان آخر تكريم لها في عيد الفن المصري في 14 مارس آذار 2014 حيث كرمها الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور.