نيودلهي - مع بزوغ فجر العام الجديد، بات من الواضح بشكل متزايد أن حكومة الهند الجديدة تواجه معضلة من صنعها بالكامل - وهي المعضلة التي لم تضطر الحكومة السابقة لمواجهتها قط.
في البداية، استقبل انتخاب نارندرا مودي رئيساً للوزراء في مايو/ أيار 2014 بقدر كبير من الإشادة في مختلف أنحاء العالم بوصفه بشيراً بظهور حكومة أكثر دعماً للعمل التجاري في الديمقراطية الأكبر على مستوى العالم. وبتشجيع من تصريحات مودي القصيرة الداعمة للسوق - حيث تعهد «بإزالة القيود الروتينية وتحسين البيئة الاستثمارية»، وأعلن أن الحكومة «لا ينبغي لها أن تتدخل في العمل التجاري»، وأقام حملته الانتخابية على شعار «صنع في الهند» - اندفع المستثمرون إلى امتداحه والثناء عليه بوصفه المخلص الجديد للتنمية.
الواقع أن حزب مودي (بهاراتيا جاناتا) فاز بأول أغلبية مطلقة في مجلس النواب في ربع قرن من الزمان، فحرره بالتالي من الضغوط والقيود المرتبطة بالحكومة الائتلافية. وجلبت الزيارات التي قام بها مودي إلى الخارج الحديث عن فرص تجارية جديدة تتمثل في موجة من الاستثمار الأجنبي والمشاريع المشتركة. كما تعهد بتحسين ترتيب الهند في تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال» العالمي الذي يصدره البنك الدولي، من المرتبة 142 البائسة إلى المرتبة الخمسين على الأقل.
ولا يزال هذا الحديث مستمرًا، ولكنه يبدو متباعداً على نحو متزايد عن الانشغالات المركزية لحزب بهاراتيا جاناتا. الواقع أن مودي صعد إلى السلطة على رأس عائلة من المنظمات اليمينية التي لا تشاركه أولوياته الاقتصادية إلى حد كبير، والمهووسة بما يسمى «القومية الثقافية» - والتي تُعَد في الأساس إعادة تجميع وتغليف للشوفينية الهندوسية.
الواقع أن التوتر بين نزعة مودي الإصلاحية المعلنة ومعاداة الثقافات الأجنبية التي تحرك القاعدة الانتخابية التي تدعم حكومته يشكل عائقاً رئيساً أمام التقدم. وفي نهاية المطاف، تتوقف الأغلبية السياسية التي يحتاج إليها مودي لملاحقة سياساته الاقتصادية على القدرة التنظيمية لنفس الأشخاص الذين تعمل نزعتهم الشوفينية على تقويض مركزه.
لقد شهدنا في أعقاب صعود مودي مباشرة تقريباً سلسلة من الهجمات على الأقليات في الهند، وخصوصاً المسلمين. فقد أقدم أحد النواب من شيف سينا، الحزب الإقليمي اليميني المتطرف المتحالف مع حزب بهاراتيا جاناتا، على إرغام موظف مسلم في كافيتريا على أكل الخبز خلال نهار أحد أيام شهر رمضان. وكان مصير شاب مسلم يعمل في مجال التكنولوجيا في بيون أكثر مأساوية، فقد ضُرِب حتى الموت في عملية «انتقامية» بعد نشر مشاركة تشهيرية على أحد مواقع وسائل الإعلام الاجتماعي والتي لم يكن له أي صلة بنشرها.
ثم جاء الذعر الوطني حول مسألة «جهاد الحب» - وهي حيلة مزعومة منسوبة للمسلمين تهدف إلى جعل الهند دولة ذات أغلبية إسلامية من خلال إغواء الفتيات الهندوسيات وإدخالهن في علاقات رومانسية تجعلهن يتحولن إلى الإسلام. ولكن بعد أن خبت هذه الهستيريا التي عمل حزب بهاراتيا جاناتا على تغذيتها - فالمسلمون يشكلون نحو 13 % من سكان الهند، ولم يتجاوز عدد هذه الزيجات حفنة ضئيلة - سرعان ما تصاعدت التصريحات الملتهبة.
فقد أعلن أحد أنصار مودي البارزين أن جميع الهنود لا بد أن يعترفوا بانتمائهم للثقافة الهندوسية. وذهبت إحدى أعضاء مجلس الوزراء إلى تقسيم البلاد إلى «رامزادا» (أولئك الذين يؤمنون بالإله الهندوسي رام) و»هرامزادا» (الأوباش) - وسُمِح لها رغم ذلك بالاحتفاظ بمنصبها. بل إن نائباً آخر من حزب بهاراتيا جاناتا أعلن أن القومي الهندوسي قاتل المهاتما غاندي كان وطنياً مخلصاً، في حين أعلن حزب هامشي في معسكر مودي عن حملة لإقامة تماثيل نصفية لقاتل غاندي في مختلف أنحاء البلاد.
إن الشوفينية السريعة الانتشار لا تعرف حدودًا. حتى أن مودي ذاته أصدر إعلاناً محرجًا - في كلمة ألقاها في افتتاح مستشفى جديد - مفاده أن هيئة الإله الهندوسي جانيش، التي تتألف من جسم إنسان ورأس فيل، تشهد على معرفة الهندوس القدماء بالجراحة التجميلية.
وقد سارعت وزارة التعليم إلى سحب اللغة الألمانية كلغة اختيارية ثالثة في المدارس الحكومية، وإحلال اللغة السنسكريتية محلها. كما أعلنت منظمة راشتيريا سوايامسيفاك سانغ، وهي منظمة تطوعية على غرار الجماعات الفاشية في عشرينيات القرن العشرين - بكل مظاهرها مثل السراويل الكاكي القصيرة والعصي - عن حملة «العودة إلى الوطن»، أو إعادة تحويل الأقليات إلى الهندوسية التي تركها أسلافهم في الماضي البعيد على حد زعم هذه المنظمة.
وكانت المجادلات والمشاحنات الناتجة عن هذا سبباً في زلزلة البلاد وهيمنت على الخطاب السياسي، حتى أن سياسات مودي الاقتصادية أصبحت ثانوية الأهمية في هذه العملية. والواقع أن الاحتجاجات التي نظمتها الأحزاب المعارضة أصابت البرلمان بالشلل، الأمر الذي جعل من المستحيل على الحكومة تقديم - ناهيك عن إقرار - العناصر المهمة اللازمة لتشريعات الإصلاح الاقتصادي المعلقة، مثل قانون يرفع حد الحصص المملوكة لأجانب في قطاع التأمين إلى 49 %.
ورغم هذا، لم يذكر مودي أي شيء لإسكات أنصاره أو تهدئة منتقديه، الأمر الذي أثار المخاوف بين المستثمرين - وخاصة الأجانب - حول قدرته على إدارة ناخبيه. على سبيل المثال، طرح لورنز رايبلنج، من الشركة الألمانية الأمريكية تاوروس القابضة للاستثمارات، بضعة أسئلة - بدءاً بالتداعيات المترتبة على الخطب العنيفة المناهضة للمسيحيين والمسلمين والمقترحات حول تحويل الدين - قبل الالتزام بإقامة استثمار كبير في الهند.
وعلى حد تعبير رايبلنج فإن «سياسات التحول والتطهير العرقي/الديني لا تلقى ارتياحاً هناك في ألمانيا بشكل خاص. والحلم الغريب المتمثل في تحويل الهند إلى دولة هندوسية خالصة مائة في المائة من شأنه أن يجعل الهند محرومة من أي دعم أجنبي. وهذا ليس ما تستحقه الهند». وأضاف «إذا كان المسيحيون بشكل خاص معرضين للوقوع تحت طائلة محاكم التفتيش المعكوسة فمن المؤكد أنهم سوف يعملون على تقليص استثماراتهم بشكل كبير في الهند». وعلى نحو مماثل، أضاف رايبلنج أن المستثمرين من الشرق الأوسط سوف يردون على السياسة المناهضة للمسلمين بحرمان الهند من محافظهم الاستثمارية.
الواقع أن رايبلنج ليس المستثمر الوحيد الذي يعرب عن هذه المخاوف؛ بل كان يعبر في واقع الأمر عن فحوى مناقشات زملائه من المستثمرين في الخارج بين أنفسهم. والآن تقرع أجراس الخطر بالفعل.
الواقع أن مودي وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه في مواجهة مؤيديه: فهو لا يستطيع أن يعيش معهم، ولا يستطيع أن يعيش من دونهم. وما لم يجد طريقة لحل معضلته السياسية، فإن الأمل في «معجزة مودي» في الاقتصاد الهندي سوف ينحسر بسرعة كما ارتفع.
شاشي ثارور - وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، وعضو البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر، ورئيس اللجنة البرلمانية الدائمة للشؤون الخارجية.