الجزيرة - حسنة القرني:
يشهد العالم تباطؤا اقتصاديا وتراجعا في أسعار النفط؛ ما دفع المملكة كغيرها من الدول المنتجة للنفط إلى التنبه إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص القائم على التنوع كشريك في صناعة الاقتصاد الوطني.. وتشير التقديرات في المملكة إلى تنامي نمو القطاع الخاص خلال السنوات الخمس الماضية محققا زيادة لهذا العام مقدارها 5،7 في المئة، ولا يوجد أي بيانات توضيحية عن استثمارات السعودية في الخارج ونوعية تلك الاستثمارات وحجم الأرباح أو الخسائر، إلا أن تقارير اقتصادية نشرت في 2009 كشفت أن حجم استثمارات القطاع الخاص السعودي في الولايات المتحدة بلغ خلال 2008 أكثر من 1.58 تريليون ريال، وهو ما يشكل نسبة 33.6 في المئة من حجم استثمارات القطاع الخاص السعودي في الخارج، على الرغم من الدعم الحكومي فيما يتعلق بتطوير أنظمة الاستثمار وتجهيز البنية التحتية وإنشاء المدن الاقتصادية وتقديم التسهيلات للمستثمرين والذي من خلالها تمكنت السعودية من استقطاب أكثر من 552 مليار ريال كمخزون من التدفقات الأجنبية الاستثمارية.
من جهة أخرى تضاعفت الاستثمارات السعودية في الخارج، وفقا لآخر بيانات لمؤسسة النقد العربي السعودي، حيث ارتفعت من 1.2 تريليون ريال في 2010 إلى أكثر من 2 تريليون في أبريل 2014 بما يعادل تقريبا 60 في المئة، وذلك لآخر 5 سنوات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن جزءا من هذه الأموال الحكومية مستثمرة في صناديق استثمارية دولية أو هي أموال تابعة لصناديق سيادية مستثمرة في الخارج.
«الجزيرة» استطلعت آراء عدد من الأكاديميين والمتخصصين في مجال الموارد البشرية والاستثمارات العقارية المحلية إلى جانب الاستثمار الأجنبي في السعودية عن أهمية الاستثمارات السعودية محليا وخارجيا للاقتصاد الوطني السعودي، حيث تشكل سياسية اقتصادية لصناعة الاقتصاد الوطني من جهة ومدى إمكانية الاستفادة من إعادة ضخ عوائد هذه الاستثمارات محليا بما يسهم في تسارع نمو الاقتصاد الوطني السعودي، وحل مشكلة البطالة وغيرها من المشكلات من جهة أخرى.
وحول إيجابية إعادة ضخ عوائد الاستثمارات محليا أكد لـ«الجزيرة» أستاذ الإدارة الاستراتيجية وتنمية الموارد البشرية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عبد الوهاب بن سعيد القحطاني أن الدور المأمول من شركات القطاع الخاص يتمثل في توظيف المواطنين والمشاركة في التنمية الشاملة وتخفيف العبء على الحكومة بتقديم الكثير من الخدمات للمواطن من باب المسؤولية الاجتماعية، بالإضافة إلى أن توجيه نسبة من عوائد الاستثمارات للشركات السعودية سيكون له دور كبير في خفض معدل البطالة ونمو الناتج الإجمالي للمملكة وتوفير التمويل للشركات الصَّغيرة من فائض الاستثمار المودع في البنوك.
وعن مساهمة ودور القطاع الخاص السعودي في إجمالي الناتج الوطني للمملكة قال القحطاني إنها لا تزال متواضعة، على الرغم من الدعم الحكومي السخي في الوقت الذي لا يزال القطاع الخاص يعتمد بنسبة عالية في نموه على الدخل الوطني من إيرادات البترول، مؤكِّداً أن الحكومة السعودية تسعى إلى تحفيز القطاع الخاص للمساهمة في التنمية الاقتصادية بدرجة أكبر وبكفاءة أعلى من خلال مؤسسات الإقراض الحكومي المدعومة في الميزانيات الطموحة.
ودعا القحطاني الشركات السعودية التي اختارت الاستثمار خارج المملكة إلى استثمار عوائد استثماراتها الخارجية في المملكة لخفض نسبة المخاطرة بالاستثمار في الاقتصاد السعودي الواعد الذي يتصف بالمخاطرة المنخفضة والاستقرار في جميع النواحي، إضافة إلى ما يحققه المستثمر من العائدات المرتفعة لاستثماراته في المملكة وأكَّد تأثر عدد كبير من الشركات السعودية مستثمرة فيها بينما لم تتأثر استماراتها أو استثمارات الشركات السعودية الأخرى المستثمرة في المملكة.
وطالب القحطاني الهيئة العامة للاستثمار بضرورة مضاعفة جهودها لجذب الشركات السعودية المستثمرة في الدول الأجنبية للاستثمار في الاقتصاد السعودي، مؤكِّداً أهمية تسهيل إجراءات استثمار الشركات السعودية سواء المستثمرة في الخارج أو التي تنوي الاستثمار في الداخل أسوة بالشركات الأجنبية المرخصة لمزاولة نشاطاتها في المملكة، مشددا على حاجة البيئة الاستثمارية في المملكة للمزيد من المحفزات لجذب الشركات السعودية المستثمرة في الخارج كما طالب بضرورة مراجعة الأنظمة والسياسات واللوائح لبيئة الاستثمار؛ بهدف مواءمتها وذلك بشكل دوري لان البيئة الكلية تتغير بسرعة تتطلب مواكبة المتغيرات الخارجية التي تؤثر في عوامل كثيرة في البيئة الداخلية لمنظومات الأعمال، معتبرا ذلك من أهم أركان التحفيز الاستثماري واستدرك أن الاقتصاد السعودي من أبرز الاقتصادات في العالم حيث كان ترتيب المملكة 19 بين 177 دولة من حيثف إجمالي الناتج الوطني في عام 2013 ، وقد تحسن ترتيب المملكة من حيث إجمالي الناتج في عام 2013 عنه في عام 2012 عندما كان 21 بين 261 دولة مرجعا سبب التحسن الملحوظ ف بترتيب الناتج الوطني للمملكة إلى زيادة عائدات البترول بدرجة أساسية.
من جهة أخرى، أوضح الأمين العام للغرفة التجارية العربية الفرنسية الدكتور صالح الطيار لـ «الجزيرة» أن عوائد استثمار رؤوس الأموال في الأسواق السعودية والأمريكية لعام 2014 لم تحقق في دورتها الاقتصادية الكاملة أي خسائر أو مكاسب حتى وإن حققت أرباحا فإنها مع حساب عوائد انخفاض النفط وعوائد انخفاض العقارات إلى جانب انخفاض عوائد الاستثمارات، مرجعا ذلك إلى عدم استقرار الأسواق العالمية، مؤكِّداً ـ في الوقت نفسه ـ أن ذلك لا يعد تحولا للاستثمارات المحلية إلى الخارج.
وعن حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة وما تعكسه خارجياً ومحلياً قال الطيار إن هيئة الاستثمار في المملكة قامت بمنح 11.600 ألف شركة أجنبية تصريحا في المملكة ما يؤكد أنها أرض خصبة للاستثمار، مؤكِّداً أن عدم استثمار عوائد الاستثمارات في عمليات استثمارية منتجة في الدورة الاقتصادية الكاملة سيكون له الأثر السلبي، داعياً المستثمرين السعوديين إلى ضرورة اغتنام ذلك بهدف المساعدة في التنمية عملا بالخطة التنمية العاشرة التي جاءت مؤكدة على ضرورة تنوع مصادر الدخل.
وطالب الطيار الجهات المعنية في المملكة بضرورة إعادة النظر في بعض التشريعات فيما يختص بالعمالة والكهرباء وبعض الإجراءات، مع أهمية منح المستثمر السعودي مميزات المستثمر الأجنبي وهذا حاصل إلى حد كبير الآن.
فيما لفت الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن السلطان الانتباه إلى أهمية إيجاد إدارة أفضل لاقتصادنا بحيث يكون قابلا لاستيعاب رؤوس الأموال، مؤكِّداً لـ «الجزيرة» حاجتنا في المملكة إلى وجود استراتيجية قادرة على جعل إمكانية وجود استثمارات إنتاجية محلية قابلة للنجاح معتبراً رؤوس الأموال المستثمرة خارجياً رصيداً يمكن الاستفادة منه إذا ما وجدت تلك الاستراتيجية وذلك في أنشطة استثمارية منتجة بما يعود على القاعدة الاقتصادية بالنمو ويحقق التنوع الاقتصادي المأمول.
وعن مدى إمكانية استثمار هذه الأموال في توفير فرص وظيفية للسعوديين أكد أن بمقدورها توفير فرص وظيفية إنما قد لا تكون مناسبة للسعوديين، وذلك لأن معظم الأنشطة تتطلب عمالة أجنبية وعلى ذلك تقوم دراسات الجدوى للمشروعات داعيا إلى ضرورة إعادة النظر في نوعية الوظائف التي توفرها هذه المشروعات.
وعددّ السلطان عدة عوامل عدّها السبب الرئيسي في توجه الأفراد نحو الاستثمار في الخارج أو الاكتفاء بالتوجه نحو الأسواق المالية أو الأنشطة غير الإنتاجية، يأتي من أهمها تملك الحكومة لـ 70 في المئة من الشركات المدرجة في الأسواق المالية بالإضافة إلى الاقتصاد العام وما يترتب عليه من تضخم يجعل إمكانية القيام بالأنشطة الإنتاجية غير مناسب ما نتج عن توجه الأفراد إلى المضاربة في الأسواق المالية أو الأنشطة غير الإنتاجية.
واتفق مع هذا الرأي عضو اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية المهندس خالد العثمان مؤكِّداً أن الكيانات الحكومية وشبه الحكومية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية وذلك وفق ما تعلنه من استثمارات لـ 60 في المئة من رؤوس أموالها خارجيا كمؤسسة التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد إلى جانب الاستثمارات الحكومية السيادية. واستدرك لا أحد يزعم أو يطالب بنقل كل هذه الاستثمارات إلى الداخل ولكننا في الوقت نفسه بحاجة ماسة إلى تحقيق توازن أفضل للاستثمارات بما يساهم في توطين الأموال. مطالبا في الإطار نفسه بضرورة رفع كفاءة استثمار الأموال لإعادة توظيفها في الداخل بما يمكننا في المملكة من تحقيق عوائد حقيقة وليست شكلية على كافة المستويات. كما دعا الجهات المعنية بضرورة رفع الكفاءة في تسهيل الإجراءات المساندة لاستثمار الفرص في المملكة بفاعلية.
وطالب بضرورة الشفافية وكشف حجم ونوعية الاستثمارات السعودية الخارجية سواء كانت حكومية لأن بعض الحكومية لا تعلنها بالإضافة لاستثمارات القطاع الخاص، وذلك بهدف إقناع جهات أخرى في الدولة لاستقطاب هذه الاستثمارات وللبحث عن فرص استثمارية غير استهلاكية يكون لها مردود تنموي بما يحقق عوائد تنموية إنتاجية.
وكان وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف قد نفي لـ «الجزيرة» قبل أيَّام على هامش ملتقى التنمية الصناعية هجرة عوائد الاستثمار المحلية للقطاع الخاص، مؤكِّداً في الوقت ن فسه أن الاقتصاد السعودي اقتصاد مفتوح وقائم على جذب الاستثمارات المحلية والاستمارات الأجنبية معا.
تجدر الإشارة هنا إلى أن نشرة مؤسسة النقد لشهر نوفمبر الماضي أكدت ارتفاع حجم القروض التي قدمتها البنوك السعودية إلى القطاع الخاص إلى 1261 مليار ريال وذلك بارتفاع قدره 12 في المئة عن شهر نوفمبر من العام الماضي الذي بلغت فيه 1124 مليار ريال. كما أوضح التقرير أن القروض لم تكن تتجاوز 1136 مليارا في شهر يناير و1148 في شهر فبراير و1148 مليار في مارس و1167 في أبريل، ثم ارتفعت إلى 1180 مليار في مايو الماضي. كما أشار التقرير إلى أن قروض البنوك للقطاع الحكومي لم تتجاوز خلال الشهر نفسه 43 مليار ريال.