الجزيرة - وحدة التقارير والأبحاث الاقتصادية:
لا يمر أسبوع إلا ونسمع عن حوادث طرق يروح ضحيتها العشرات والمئات من المواطنين والمقيمين.. بل في غالبية الأحيان نسمع عن خسائر مادية واقتصادية هائلة نتيجة وقوع هذه الحوادث، وأخطرها التي تحدث خارج نطاق المدن على الطرق الرئيسية والدائرية ما بين المدن.. ولعل نجاح المملكة في إنشاء شبكة متميزة للنقل البري مع اتساع آفاق انتشار المدن وامتداد هذه الطرق لتخدم حركة نقل الأفراد والبضائع، ومن ثم الاعتماد الكثيف على النقل على هذه الطرق، يُعدُّ من أهم العناصر لزيادة أعداد هذه الحوادث.
ويكفي أن نعلم أن المملكة تشهد نموا كبيرا في عدد السيارات المسجلة والمستخدمة، حيث زادت من 8.5 مليون سيارة في عام 1421هـ إلى 15.0 مليون سيارة في عام 1432هـ. إضافة إلى زيادة معدلات النمو في استيراد السيارات، حيث ارتفع عدد السيارات المستوردة من 211 ألف سيارة في عام 2000م إلى 982 ألف سيارة في عام 2012م.. حتى إن حوادث الطرق أصبحت أمرا واقعا.
لم تعد حوادث الطرق تقتصر على حوادث السيارات فقط، لكنها امتدت لكي تشمل حوادث الشاحنات والعجلات والموتوسيكلات والقطارات وغيرها.. وتؤدي هذه الحوادث إلى وقوع خسائر بشرية واقتصادية كبيرة وهائلة في كثير من الأحيان.
وحوادث الطرق ليست أمرا حكرا أو مقتصرا على المجتمع السعودي، لكنها ظاهرة عامة تحدث وتنتشر في كافة البيئات الحضرية خصوصاً في المدن الكبرى.. حيث تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية الحديثة إلى أنه سنوياً يتوفى حوالي 1.3 مليون فرد نتيجة حوادث الطرق وتشير التنبؤات إلى أن هذا العدد مرجح للزيادة إلى 2.0 مليون متوفى في عام 2020م ما لم تتخذ إجراءات فورية وسريعة وقوية لتحسين السلامة المرورية على الطرق.. إلا أن تقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد أن هذه الحوادث ترتبط بشكل أكبر بالدول النامية التي تساهم بما يزيد على 90 في المئة من الوفيات العالمية الناتجة عن حوادث الطرق.
أما الأمر الأعلى خطورة هو كثافة حجم الإصابات غير المميتة الناتجة عن هذه الحوادث المرورية، حيث إن هناك ما يناهز 50 مليون فرد يتعرضون لإصابات لا تؤدي للوفاة، ولكنها قد تتسبب في عجز كلي أو جزئي.
إن السؤال الذي يطرح نفسه : كم هي التكلفة الحقيقية للحوادث المرورية ؟ هل هي تكلفة السيارة المتعطلة أم تكلفة علاج المصاب أم تكلفة حياة المتوفى نفسه أم تكلفة الخسائر التي يتسبب فيها الحادث في الطريق والممتلكات العامة أو الخاصة؟
بالطبع فإن تقدير التكلفة الاقتصادية الحقيقية للحادث المرورية تشمل كل هذه الجوانب، ولكن يضاف إليها خسارة المجتمع لإنتاجية هذا المتوفى أو المصاب، فهو ما بين توقف نهائي عن الإنتاج (المتوفى)، أو توقف جزئي (المصاب) عن مشاركته في العملية الإنتاجية.. أما الجانب الخفي وغير المحسوس في خسائر الحوادث المرورية، فهو تكلفة فقدان الفرد لحياته، وهي تكلفة عالية للغاية وقد يصعب تقديرها في كثيرا من الأحيان، خصوصاً مع الأفراد المبدعين وذوي القدرات الخاصة.. فكم تكلفة خسارة أسرة لأبنها في حادث ؟ هذه الخسارة تمثل تكلفة إنتاجه وإيراداته للأسرة، فضلا عن التكلفة الاجتماعية الخاصة برعايته للأسرة واحتضانها.. إنها تكلفة مهولة تتجاوز ملايين الريالات في بعض الأحيان بالأرقام.
ففي دراسات سابقة في ماليزيا، تم تقدير تكلفة الحادث المروري للفرد المتوفى الواحد بما يناهز 1.5 مليون ريال تقريبا، شاملة كافة التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة به وبحياته.. أما في المملكة العربية السعودية، فقد اختلفت التقديرات ما بين 10 إلى 30 مليار ريال تفقدها المملكة سنوياً كنتيجة لحوادث الطرق.. وتشير الإحصاءات الرسمية لعام 2012م إلى أن عدد الحوادث المرورية في المملكة وصل إلى حوالي 589 ألف حادث، وبلغت عدد الوفيات نحو 7638 وفاة، وبلغ عدد المصابين حوالي 41 ألف مصاب.. وتُعدُّ المملكة ثالث أعلى دولة عربية (أو بمنطقة الشرق الأوسط) في تسجيل أعلى وفيات نتيجة حوادث الطرق.. وأخذا بالتقديرات بالمجتمع الماليزي، فإنَّ تكلفة الخسائر الناجمة عن الوفيات بالمجتمع السعودي تقدر بنحو 11.5 مليار ريال، في المقابل تقدر تكلفة الإصابات بالمجتمع السعودي (تحت اعتبار أن تكلفة الإصابة تصل في المتوسط لنصف تكلفة الوفاة) بنحو 30.7 مليار ريال.
أي أن إجمالي التكلفة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحوادث المرورية بالمملكة في عام 2012م تقدر بنحو 11.5 مليار ريال (خسائر الوفيات) مضافا إليها 30.7 مليار ريال (خسائر المصابين)، أي ما يعادل 42.2 مليار ريال، وهي قيمة مهولة يخسرها المجتمع المحلي سنويا، وليس مرة واحدة.
والسؤال الأهم : لو افترضنا أنه تم إنفاق حتى نصف هذه القيمة سنوياً لمنع حدوثها، فإننا نكون قد نجحنا في تقليص خسائر بشرية وإِنسانية وقيمة اقتصادية حقيقية.. تشير الدراسات إلى أن الواقع الاقتصادي يؤكد على ضرورة إنفاق الدول على تحسين السلامة المرورية بقيم تتناسب مع حجم خسائرها نتيجة حوادث الطرق.. فقد لا يتصور البعض أن بعض الدول تنفق على سلامتها المرورية بقيم مبالغ فيها وتفوق حدود مخصصات موازاتها السنوية لكثير من الأنشطة الأخرى، ولكن هذا الإنفاق في الحقيقة ليس إنفاقا ولكنه تقليص للإنفاق أو الخسائر في جوانب اقتصادية أخرى أعلى أهمية، وهي خسارة أجزاء هامة من القدرات الإنتاجية لهؤلاء المتوفين والمصابين، فضلا عن تقليص الخسائر الاجتماعية التي قد تنتج عن فقدان العائل، ومن ثم تقليص تكلفة إنفاق الدولة على يتامى أو أرامل أو أسر بلا عائل وغيرها.