تتعرض الأمة العربية والإسلامية بين حين وآخر لهزات داخلية عنيفة تكاد تعصف بالعلاقات الأخوية المتينة بين أبنائها، الذين يمثلون جسدا واحدا، وأسرة مترابطة على مر العصور والأزمان، وقد جاءت الفتنة التي تعرض لها الكيان العربي في السنوات الأخيرة لتتسبب في انقسامات خطيرة، داخل بعض الدول العربية، كادت تعصف بكياناتها بعد أن لجأ أعداؤها إلى الإرهاب كسلاح مسموم، لتحقيق مآربهم الدنيئة في الهدم والتدمير والتخريب داخل جسد الأمة الواحدة.
وكان لتداعيات تلك الفتن انعكاساتها على البيت العربي فنتج عنها الانقسام في الرأي والتوتر في العلاقات، ووقف أبناء الأمة العربية وقد تضاءل لديهم الأمل في وقتٍ عزّت فيه الحكمة، وفقدوا الأمل والطموح في إصلاح الواقع العربي، الذي شهد توتراً في العلاقة بين الشقيقتين مصر وقطر، فقد انعكس ذلك التوتر على العلاقات داخل الأسرة الخليجية الواحدة، وأصبحت الصورة قاتمة في سماء العلاقات، واستبعد المراقبون والمتابعون ـ الأكثر تفاؤلا في توقعاتهم ـ اقتراب الحلّ الذي يعيد المياه النقية لمجاريها، أو الحقّ لنصابه بعد أن أصبحت المصالحة المصرية - القطرية بعيدة المنال، بل شبه مستحيلة في المستقبل المنظور، فقد تعقدت جوانبها ووقفت دونها عوامل عديدة، وتدخلات دولية وإقليمية زادت الشقة بين الأخوين العربيين الشقيقين.
غير أن صوت الحكمة والعقل الذي يُغلّب دائما مصلحة الأمتين العربية والإسلامية، ينبري كعادته ساعياً من أجل الخير، حريصاً على إزالة أسباب الخلافات، فجاءت مبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - منطلقة من حكمته المعهودة في مثل تلك الأزمات مهما اشتدت حدّتها، أو تراكمت تعقيداتها، فجاءت مبادرته في وقت عصيب في حياة الأمة العربية، بعد أن شخّص الداء بدقة وحدَّد له الدواء بمهارة، وهذا هو عين الحكمة التي عُرف بها - حفظه الله - في مختلف الأزمات التي كان له اليد الطُّولى في وأد فتنتها.
لقد تمكَّن خادم الحرمين - حفظه الله - أن يضع الحلول الناجعة للمشكلة، فأكَّد للعالم منذ البداية أن الداء يكمن في محاولات أعداء العرب والمسلمين تفتيت قوتهم واستهدفوا في ذلك مصر الشقيقة، وأكَّد ذلك حين قال: إن وحدة الصف المصري تتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة ـ إن شاء الله ـ لضرب وحدته واستقراره، من قبل كلّ جاهل أو غافل أو متعمِّد، ولذلك فقد وضع العلاج الحاسم الذي جاء متمثلاً في موقف المملكة الراسخ والداعم للشقيقة مصر تأييداً ومساندة ومؤازرة، فأعلن - حفظه الله - أن « المملكة العربية السعودية وقفت وتقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل مَن يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية «. وكان لهذا الموقف الحاسم آثاره الإيجابية الفاعلة في الساحة الدولية والعربية التي أدركت أن الشقيقة مصر لن تكون وحدها في مواجهة ما يُحاك لها أو يستهدف استقرارها.
واتجه صوت الحكمة والعقل في ذات الوقت إلى البيت الخليجي، فحرص خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى لمّ الشمل وتوحيد الصفّ، وإعادة قطر الشقيقة إلى الحضن الدافئ للأسرة الخليجية الواحدة، لتنطلق المبادرة الكريمة نحو تحقيق المصالحة بين مصر وقطر، حتى توأد الفتن، وتُنبذ الخلافات، ويجتمع الصف، ويلتئم الشمل وتعود العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى حيث ينبغي أن تكون من المصارحة والصفاء والنقاء.
وحتى تؤتي المبادرة الكريمة ثمارها، فقد حرص خادم الحرمين - حفظه الله - على تهيئة الأجواء المناسبة، فطالب وسائل الإعلام المتعددة والمثقفين والكتاب في البلدين أن يكفوا عن المشاحنات الإعلامية التي تشعل وتؤجج نار الفتنة، ودعاهم إلى أن يكون دورهم إيجابيّاً في صناعة المناخ الملائم، لتهدئة النفوس والتطلع للمستقبل لإضاعة الفرصة على أعداء الأمة، وحتى تتم المصالحة بين الشقيقتين، ويلتئم الشمل في أسرع وقت.
وهنا تظهر وتتأكد الثقة التي ينالها خادم الحرمين لدى الأشقاء، وتتأكد مكانة المملكة لديهم، فقد آتت مبادراته الطيبة وجهوده الحكيمة الموفقة ثمارها، في ظل السياسة الحكيمة والدبلوماسية الماهرة، التي تتمتع بها بلادنا، وتضيف كلّ يوم نجاحات موفقة جديدة، تُضاف إلى السجل الناصع للمملكة في ميادين العروبة والإسلام والإِنسانية. حفظ الله قيادتنا ووطننا وجعله مناراً دائما للخير والسلام.
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً