بدا لي هذا العام في ذكرى اليوم العالمي للغة العربية التي صادفت (18ديسمبر) الماضي أن ثمة اهتمام محلي بدا ملموسا أكثر مقارنة بالأعوام السابقة. بالتأكيد أنني لا أملك أرقاما أو إحصائيات تثبت ذلك، لكن هذا ما استشعرته ولا أعرف إن كان هذا يعود لقربي مؤخرا من دائرة بعض المهتمين باللغة العربية، أم أنه الواقع الذي أخذ حقيقة يفرض نفسه.
وفي كل الأحوال لا يمكن للمرء أن يغفل تلك العوامل التي باتت تحيط بنا وتعمل على تفعيل ممارسة اللغة العربية في الواقع المعاش باعتبارها أداة التواصل الأهم بين الأفراد على شبكة الإنترنت وأداة التعبير الأدبي عن مكنونات النفس وخلجاتها وعدد من نواحي إبداعها منذ بدء انطلاق مواقع ومنتديات ومدونات الشبكة العنكبوتية قبل عقود قليلة وما رافقها من طفرة إبداع لغوي متعدد الجوانب في الشعر والقصة والرواية عمل التواصل عبر الشبكة تاليا على صقل الكثير من تلك المواهب الشابة التي وجدت في شبكة الإنترنت متنفسا لمحاولاتها الإبداعية وتقويم تجربتها ومن ثم فرض أصواتها على الساحة الأدبية والثقافية.
وعلى المستوى الاجتماعي العام، قد تكون التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لعبت أيضا الدور الأبرز والأهم في السنوات الأخيرة في فرض اللغة العربية كأداة لنقل وتبادل المعلومة والمحتوى المعرفي الذي يتم تناقله بين العامة على مواقع التواصل الاجتماعية وهو ما طور لغة البعض وعزز لديهم أهمية استعمال اللغة العربية كلغة خطاب وتواصل مشتركة بين أبناء البلد الواحد المتعدد اللهجات من جهة كما هو الحال لدينا وبين أبناء البلدان العربية المختلفة أيضا بغض النظر عن مدى صحة جميع مكونات اللغة أو سلامتها من الأخطاء.
وهو ما مهد في وقت تالي للإفادة من مواقع التواصل في لعب دور إيجابي لإحياء احتفالية يوم اللغة العربية بخاصة من قبل بعض حسابات المهتمين في تلك المواقع التي تحولت خلال أيام المناسبة إلى منابر نشطة لبث كل ما هو نافع ومفيد حول اللغة العربية، وعلى الخصوص في موقعي التواصل الاجتماعي: «فيسبوك»، و»تويتر».
ومن المعروف أن السعودية تتصدر قائمة مستخدمي تويتر مقارنة بدول عربية أخرى، بحسب ما أكده تقرير الإعلام العربي ومركز مدار للأبحاث الذي نشر عام2012 إحصائية تشير إلى أن عدد السعوديين المستخدمين لتويتر يبلغ الـ 830,291.
وقد يكون من المجحف أن نغفل دور الأندية الأدبية التي أقامت بهذه المناسبة فعالية هنا ومحاضرة هناك وإن كان بعضها لم يكن بالمستوى المأمول ولا يرقى لحجم وقيمة لغة تستمد قوتها من كونها لغة كتاب الله القرآن الكريم وما تمثله في وجدان العرب والمسلمين لكن تلك الفعاليات رغم مثالبها حركت ساكنا والفعل أحيانا أفضل من عدم الفعل.
ومن ناحية أخرى شهدنا هذا العام أيضا التفات بعض المدارس نسبيا لأهمية إحياء هذا اليوم وقد تردد أن ذلك جاء نتيجة توصية وزارة التربية والتعليم للمدارس بالالتفات لأهمية تعزيز الشعور بقيمة اللغة العربية لدى الطلاب عبر الاهتمام بهذا اليوم والعمل على إحيائه ببعض الفعاليات المفيدة على أمل أن يؤدي ذلك لتكريس حضور اللغة العربية في وجدان النشء بخاصة مع تغير النظرة تجاه العربية للأسف وتراجعها لدى الكثيرين لتأتي ثانية بعد اللغة الإنجليزية بعدما كانت الأولى وهو ما كرسه للأسف سوق العمل لدينا الذي يشترط إجادة اللغة الإنجليزية كشرط أساس للقبول في الوقت الذي نادرا ما يسأل المتقدم للوظيفة عن مدى إجادته للغة العربية اللغة الأم أو سلامة إتقانه الكتابة بها!
الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى رفع مستوى الممارسة اللغوية في الوسط التعليمي لدى الطلاب الذي يعاني للأسف من ضعف وتردي في التحصيل اللغوي نتيجة القطيعة بين التنظير والممارسة الفعلية وهو ما يصعب تأسيس جيل واع بلغته وقادر على التعاطي الجيد معها باعتبارها قنطرة تعينه على التعبير عن نفسه وتساعده في التواصل مع الآخر كما تعينه على تلقي المعرفة والعلم لأن اللغة وعاء الفكر والمعززة للهوية والانتماء.
ومن جهة أخرى كرس الإعلام العربي للأسف عبر قنواته على مدى عقود من الزمن من خلال الدراما التلفزيونية وبعض المسرحيات نظرة غير متصالحة مع متحدثي اللغة العربية الفصحى بتصويرهم كأفراد من خارج سياق العصر، أو بالتقليل من قيمة خطابهم بصورة هزلية ساخرة.
فيما تلعب بعض وسائل الإعلام العربية الحديثة خاصة المرئية حاليا دورا سلبيا آخر يتمثل في إعلاء قيمة استعمال بعض اللهجات العربية العامية للمذيعات والمذيعين باعتبارها عامل جذب جماهيري وذلك على حساب اللغة العربية.
لذا فمن المبهج والداعي للتفاؤل أن نشهد اهتماما هذا العام باللغة العربية في يوم الاحتفاء بها والذي كان لبلادنا الحبيبة ودولة المغرب الشقيقة دورا في إقراره بعد اقتراح قدماه لمنظمة اليونسكو، تمت الموافقة عليه في العام 2012.
لكن يظل الأمل معقودا أن لا يقتصر الاهتمام باللغة العربية على أيام محدودة في السنة فقط وإنما يمتد هذا الاهتمام طوال العام، ولا ننسى أن اللغة كائن حي ينمو ويزدهر بمزيد من الرعاية والاهتمام.
شمس علي - الدمام