يحتفل العالم كل عام يوم 18 كانون الأول ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهذا لعمري شيء يدعو إلى الغبطة والسرور، وكيف لا واللغة العربية هي اللغة الوحيدة من بين كل لغات العالم التي اختارها الله لينزّل القرآن الكريم بها، وهذا شرف وأيما شرف لهذه اللغة وللناطقين بها. وإذا خضنا قليلاً في التاريخ نجد أنه تم اختيار هذا اليوم أي 18 كانون الأول- ديسمبر لأن الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد أصدرت فيه قرارها رقم 3190 عام 1973 الذي أقرت بموجبه اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة بعد اقتراح قدمته المملكة العربية السعودية والجماهيرية الليبية. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء نجد أنه في 4 كانون الأول ديسمبر عام 1954 أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً تحت رقم 878 يجيز فقط الترجمة التحريرية إلى اللغة العربية بشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة. وفي عام 1960 قررت اليونيسكو استخدام اللغة العربية في المؤتمرات التي تعقد في البلدان الناطقة بالعربية. وفي عام 1966 قررت اليونيسكو تأمين خدمة الترجمة الفورية من وإلى اللغة العربية، وفي عام 1968 قررت إدراج اللغة العربية كلغة عمل في المنظمة وتوفير خدمة الترجمة الفورية من وإلى العربية. إلى أن وصل الأمر في عام 1973 إلى اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة بعد القرار الذي أشرنا إليه أعلاه. ولم يتم العمل بهذا القرار إلا في عام 1974. وبعد هذه العجالة التاريخية أقول إن اللغة العربية كما يعرف الجميع هي لغة سامية، يتكلم بها أكثر من 400 مليون إنسان. اللغة العربية هي لغة رسمية في الدول العربية وفي إريتيريا وتشاد وإسرائيل.لقد مر اليوم العالمي للغة العربية باحتفالات ولقاءات ووجبات وكلمات... وبعد ذلك تعود حليمة إلى عادتها القديمة. الشاطر فينا من يفتخر بأن أولاده يدرسون في مدرسة أجنبية بلغة أجنبية! المسؤول الناجح هو الذي يضع المناهج الدراسية الإنكليزية بدل العربية. تفتح أجهزة التلفاز فتسمع لغة عربية مكسرّة محشوة بالكلمات الأجنبية. كثير من البرامج والمؤسسات في أكثر من دولة عربية هي برامج أجنبية!!! طيب لماذا نقول الشيء ونفعل نقيضه؟! هل تنقصنا الجرأة لقول الحقيقة التي نقتنع بها؟ أم أننا نعاني من أمراض نفسية؟ أم أننا نشعر بأننا نفعل ما يصمنا بالعار؟ لماذا بتنا نقتنع أننا لنتطور علينا إلقاء العربية خلف ظهورنا وامتطء صهوة الإنكليزية؟ هل فعلتها روسيا حتى أصبحت دولة عظمى؟ هل فعلتها اليابان؟ هل فعلتها ألمانيا؟ هل فعلتها تركيا وإيران وإسرائيل؟ تركيا تلك الدولة التي لا موارد طبيعية فيها تحتل حالياً المركز 15 بين اقتصاديات العالم. تركيا تستقبل سنوياً 35 مليون سائح من كل دول العالم، ومع ذلك لم تفكر يوماً أن تدرّس أبناءها اللغة الإنكليزية، بل أكثر من ذلك حتى في المطارات الدولية في تركيا لا تجد من يتكلم الإنكليزية. هل نقص هذا من تقدمهم؟ ومن علمهم وتعليمهم؟ أقول أكثر من ذلك إسرائيل ذلك الذي نسميه كياناً ماذا فعل؟ مسح الغبار عن اللغة العبرية الميتة وأحياها واعتبرها لغته الرسمية ووضع المناهج التعليمية بها. إن أول ما تقدمه إسرائيل للمستوطن الجديد هو تسجيله في دورات اللغة العبرية. التعليم والإعلام والمؤسسات كلها في إسرائيل باللغة العبرية. هل نقص هذا من تقدم إسرائيل؟ على العكس إسرائيل حالياً من بين الدول المتقدمة في العالم.
أما آن لنا أن نستفيق من عقدة الأجنبي؟ ألم يحن الأوان لنعطي للغة العربية مكانتها الحقيقية لا الشكلية؟ متى نقتنع أن المشكلة ليست في لغتنا بل في عقولنا؟
محمد دريد - أستاذ اللغة الروسية بكلية اللغات والترجمة - جامعة الملك سعود