تَرَكَتْ رَضِيعاً
عُمْرُهُ
عامٌ وسبعةُ أشهر ٍ
تَرَكَتْهُ للأيامِ
تُرْضِعُهُ
حَلِيبَ الجُوعِ
والحِرْمانِ
وأتَتْ لِترْعى
في اغترابِ لِسانِها
أطْفَالَنَا
لِتُرتِّبَ الفوضى
وأغطيةَ الصِّغارِ
لِتُنَظِفَ البُسُطَ
التي فُرِشَتْ هناكَ
مِنَ الجدارِ
إلى الجدارْ
تَطْهُو لنا
ما نَشْتَهي
وإن اشتَهَتْ شيئاً
تُؤَجِّلُهُ لعام
فَلَرُبَما
سَتَعُودُ بَعد العامِ
للبيتِ الذي
تَرَكَتْهُ مُفْتَقِداً
لِنَكَهَاتِ الأمومةِ
في الطعامِ
وَلَرُبَّما
سَتُغَاثُ بعد العامِ أُسرتها
وتُعْصَرُ
بعدَ أعوامِ الجفاف
يَسْتَمْطِرونَ
بعودةِ الأم
التي تَقْضي على
السَّبْعِ العِجَاف
جاءتْ بلاداً
ما لها فيها
حبيبْ أو قريب
جاءتْ لِتَهيِئةِ
السريرِ لمنْ ينام
على السريرْ
وتَرُشُّ عوُدا
في وسائدَ من حرير
فإذا أوَتْ لِفِرَاشِها
الخَشِنِ الفقيرْ
ذَكَرَتْ حبيبا
خلَّفته هناك
في الوطنِ البعيد
فتنامُ تحلمُ
أنَّها عادت إليه
***
لكن مخدومَ الغريبةِ
كانَ أقسى
من لياليها الشِّداد
ذكرٌ تجرَّد من رُجُولته
فارتدى ثوبَ الذِّئاب
في خفاءِ الليلِ
كان يتبعُها
يساومها بسعر باخس ٍ
وبكاؤها تحت السياط
كم كان يَجْلِدُها
بألسنةٍ حِداد
وينالُ مايبغيهِ
لا يعنيهِ
صدٌ أو دموعٌ
من توسل أو عذاب
عبثاً تُحاولُ
أن تفرَّ من المصيرِ
لكنه « سَوْطَ الكَفِيل»
مازاده استعطافها إلا ضراوة ..
***
وأخيراً اختارتْ
طريقاً لِلرُّجوعِ
علَّ الرجوعَ
يُكَفْكِفُ الدَّمَ والدُّموع
لكنها
لا تملكُ المفتاح
فاختارت طريقاً
عبر نافذةٍ
تُطِلُّ على الضَيَاعْ
لم يستطعْ
حُلمُ الغريبةِ حَمْلَها
سَقَطَتْ
وماتَتْ
دونَما أدْنى
وَدَاعْ
سَيَظَلُّ طِفْلُكِ
يا غريبةُ
جائعاً
ويظلُّ بَيْتُكِ
خالياً
من نكهةِ الأنثى
هناكْ ..
ويظلُّ
صيادُ الغرائبِ ماضياً في غِيِّهِ..
ناصباً
كل الشباكْ
هو «الكفيل»
فلا حساب ولا عقاب ..!!
شعر: بديعة كشغري - جدة