استبشر السعوديون في كل مكان بصدور ميزانية الخير والعطاء للعام المالي 1436-1437هـ، ولا يخفي على المتأمل ما أظهرته معطياتها من حرص واهتمام خادم الحرمين الشريفين على دفع عجلة التنمية وتلبية احتياجات المواطنين ومتطلباتهم، من خلال إقراره واعتماده للعديد من المشروعات التنموية والحضارية في كافة القطاعات بما فيها قطاع التعليم العالي.
وأرى أن من أهم ملامح الميزانية استمرار الدولة في توجهها نحو تطوير التعليم بصفة عامة العام والجامعي منها، ودعم انتشاره في جميع مناطق المملكة، وهو ما أوضحته الميزانية باستمرار تنفيذ مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم وقيمة المتبقي له سبعة بلايين وثلاثمائة مليون ريال، واستكمال برنامج تحقيق أهداف مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم والمقدر بـ(80) مليار ريال يصرف منها لتنفيذ مبان مدرسية عصرية لعدد (3000) مدرسة للبنين والبنات على مدى خمس سنوات مالية قادمة، وخمسة مليارات وخمسمائة مليون لتأهيل المدارس القائمة وملياران وخمسمائة مليون لتجهيز المدارس بوسائل الأمن والسلامة ومليار ومائة مليون للتعليم الإلكتروني. أما التعليم العالي بالإضافة إلى المرصود له لتطوير البنية التحتية ومشروعات كليات جديدة بتكلفة 12.3 مليار وثلاثمائة مليون ريال، فإن أهم قرار طال انتظار المعنيين به هو قرار اعتماد ميزانيات لافتتاح وتشغيل ثلاث جامعات جديدة هي جامعة جدة وجامعة بيشة وجامعة حفر الباطن، التي تمت الموافقة على إنشائها منذ العام الماضي.
كما لا يمكن إغفال ملمح آخر من ملامح ميزانية الخير لهذا العام، وهو الإعلان عن الاستمرار في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بتكلفة 22 مليارا و500 مليون ريال ليغطي تكلفة (207) آلاف طالب وطالبة مع مرافقيهم خارج المملكة.
إنها قرارات حكيمة وتوجه صحيح وميزانية تحد في أرقامها سوف تؤكد الثقة في اقتصاد بلادنا وترفع القلق الذي كان ينتاب البعض، وأجزم بأنها سوف تعيد الثقة لسوق الأسهم السعودية وسيعود الارتفاع، حيث تعد ميزانية هذا العام المالي أضخم ميزانية رصدتها الحكومة في تاريخ المملكة حيث تضخ بسخاء، وقد حظيت بأرقام فلكية لتعكس من خلالها الرؤية السديدة، والنظرة الثاقبة لولاة الأمر - رعاهم الله - ومدى مستوى التطور العام في جميع المجالات لمملكتنا الحبيبة، فهي تحمل بين أرقامها الخير الوفير والعطاء الواضح من خلال الاستمرار في الإنفاق بسخاء على المشروعات التنموية والإستراتيجية المتوازنة، وبالأخص تلك المشروعات التي تهتم ببناء المواطن، وما يحقق له الرفاهية المطلوبة المستدامة في شتى مناحي الحياة، وتحمل في مضمونها حثًا صريحًا وواضحًا للوزراء على تنفيذ خطط وزاراتهم بشكل متكامل واف ناجح وبجودة عالية لتحقيق الهدف المنشود في وقته المحدد؛ لتزدهر البلاد وتواكب مسيرة التطور والحضارة والتقدم.
لقد أوضحت ميزانية 2015م أن المملكة العربية السعودية قوة اقتصادية عالمية، وأن السياسات المالية الحكومية قادرة على تجاوز التذبذبات السعرية والأزمات الاقتصادية العالمية، وأن قدراتنا المالية قادرة على مواجهة انخفاض الأسواق النفطية.
كما عبرت الميزانية عن استمرار نهج عطاء دولتنا المباركة، حيث بينت قيمة المصروفات العطاء السخي والإنفاق التاريخي على مشروعات التنمية والتطوير والخدمات.
ودللت مصروفات المشروعات الخدمية على اهتمام حكومتنا الرشيدة بالإسلام والمسلمين من خلال مخصصات التوسعة التاريخية للحرمين الشريفين، والتركيز على خدمة الشعب وتوفير الخدمات التي تهيئ للمواطن السعودي الحياة الكريمة الرغيدة، فعنيت بالخدمات الصحية والاجتماعية والبلدية والإسكان والكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات وغيرها.
ولقد وجه خادم الحرمين الشريفين في كلمته أن يكون المسؤولون في خدمة الوطن والمواطن، وأمر بتحسين الخدمات، كما احتوى التوجيه الملكي أيضًا على التنفيذ الدقيق والكفء للمشروعات وترشيد الإنفاق وتنفيذ السياسات المالية لميزانية الخير والبركة بكفاءة وجودة. وكلنا أصغى لولي العهد في كلمته حين قال: إن على الجهاز الحكومي أن يكون عند ثقة المليك.
لقد استهدفت الميزانية استمرار التنمية المستدامة، وطمأنت المجتمع السعودي على مستقبله الاقتصادي، كما هدفت إلى بناء الإنسان من خلال المصروفات الكبرى على التعليم والتدريب باعتبار أن الإنسان أساس التنمية، وبما يخدم سوق العمل من خلال المخرجات والمنتجات المتوائمة مع المتطلبات التنموية واحتياجات السوق ومصالح المجتمع.
إن رؤية والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- رؤية واضحة، فهو يحرص كل الحرص على بناء إنسان هذه البلاد والاستثمار فيه وتجاوز كل الصعاب التي قد تعيق مسيرة التنمية التي يتطلع لها - حفظه الله- لخدمة أبناء هذه البلاد المباركة وعزتهم ورفعتهم.
إن الميزانية بما تحمله من دلائل الخير والعطاء تؤكد استمرار نهج خادم الحرمين الشريفين في الإنفاق ومواصلة العطاء والبناء برغم التحديات الاقتصادية القائمة، فقد شملت المشروعات والبرامج التنموية لقطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية، والمياه، ومشروعات النقل العام، ولا شك أنها جاءت نتيجة لمتانة وقوة الاقتصاد السعودي التي اكتسبها من جهود خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في توجهاته الرامية لدعم عملية البناء والتطوير الاقتصادي بهدف ترسيخ الاستقرار الاجتماعي لأبناء المملكة.
وختامًا.. فإن المتأمل في الظروف الاقتصادية العالمية التي شهدت خلال السنوات الماضية القريبة انهيارًا لاقتصاديات دولية عريقة كان لها الكثير من الخبرة والمكانة الدولية التي لم تستطع أن تصمد أمام الهزات الاقتصادية التي مرت بها جميع الدول ولم تخطط لها التخطيط المناسب، سوف يعلم أن قيادة المملكة الرشيدة كانت أكثر خبرة وبعد نظر، حيث أثبت النظام الاقتصادي للمملكة قوته أمام تلك العواصف، وأن القيادة الحكيمة تنظر إلى أن المواطن هو رأس المال الحقيقي وهذا ما عكسته مخصصات مشروعات التنمية البشرية في شتى مجالاتها.
- عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام