منظومة الدول الخليجية أو مجلس التعاون الخليجي يعد إحدى المنظمات العربية الأكثر فاعلية وتأثيراً في المنطقة خاصة خلال «ثورات الربيع العربي» ومجلس التعاون قدم نفسه في كثير من المواقف وتحول دول المجلس إلى اتحاد خليجي يمكنه من القدر الكافي للتجانس لجعله فعلاً رأس القاطرة العربية التي تقود مسيرة شعوب المنطقة نحو مستقبل أفضل, وما حصل في اجتماع الرياض في الأيام الماضية لهو إشارة واضحة إلى أن دول مجلس التعاون كفيلة بحل مشاكلها دون تدخل من خارج إطار المجلس, وعودة المياه إلى مجاريها مع قطر تعد خطوة رائدة لرائد الحكمة خادم الحرمين الشريفين الذي حاول أكثر من مرة خلق روح الود والتعاون والتآلف بين دول المجلس بعقلية الرجل الكبير المؤمن برسالته نحو الأشقاء في دول مجلس التعاون وإدراكه بأن التباعد والتشتت لن يخدم دول المجلس أبدًا وستجد نفسها في مواقف أكثر صعوبة من المواقف التي تمر بها أغلب الدول العربية المبتلاة بالفوضى والدمار وخراب الديار.
اجتماع الرياض كان موفقًا للغاية لردم الهوّة التي كادت تفرق دول المجلس وخطوة رائدة لخادم الحرمين الشريفين وحكومة المملكة العربية السعودية التي دأبت على هذا النهج منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى اليوم, ومنذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م وحتى الآن والمملكة تقوم بواجبها نحو أشقائها في الخليج على النحو الذي يرضيهم ويتمم تطلعاتهم وأن كان هنالك العديد من المعوقات التي واجهت المجلس في بداية انطلاقته وبعد انطلاقته وما حصل من تأخير لإعلان الوحدة التكاملية بين دول المجلس إلا أن هنالك ثمارات عدة عادت بالنفع الكبير للمجلس وحققت إنجازات رائدة ساهمت في ترسيخ عوامل مهمة لدول المجلس وهذه العوامل التي ساهمت في تماسك اللحمة الخليجية بنيت على عدة ركائز أهمها ما يلي:
1 - وحدة اللغة: إذ إن سكان المنطقة الخليجية يتكلمون نفس اللغة العربية التي تشكل وعاء الوحدة الثقافية.
2 - وحدة الأرض المشتركة: تمتد بلاد الخليج دون عوائق تذكر مما سهل تنقل المواطنين وسرعة التفاعل والتآلف بينهم.
3 - الإرث الحضاري: تجمع شعوب الخليج مقومات هامة مثل وحدة الدين والتقاليد والعادات والثقافات.
4 - السوق المشتركة: لسكان دول الخليج مصلحة مشتركة يمكن تحقيقها بأقل كلفة عبر التبادل التجاري في سوق واحد دونما مشقه المعاملات والتبادل مع أسواق بعيدة مما يخفف الكلفة في نقل البضائع ويطور حركة التجارة والنقل البينية.
5 - الأمن والسلم: وهو البند المهم إذ إن وجود جيش موحد قادر على حماية المنطقة وتحقيق السلم بين شعوبها خاصة والمنطقة العربية عامة, ويوفر أموالاً طائلة كانت تصرف على استجلاب الأساطيل الأجنبية.
6 - منظومة تعليمية موحدة: مما يسهل توحيد مناهج التعليم والاستفادة من تنقل الكوادر التعليمية والأكاديمية بين دول المجلس واندماجهم بسهولة في أية منطقة من مناطق دول المجلس مما يوفر قاعدة واسعة للكفاءات والخبرات للتطوير في مختلف المجالات والقطاعات اقتصادية كانت أم ثقافية.
كل هذه العوامل والركائز التي أوردناها وغيرها قادرة على بناء نمو متوازن بين شعوب دول الخليج وبين مختلف فئاتها وطبقاتها الاجتماعية, مما سيخلق مجتمعًا متضامنًا يضمن ديمومة السلم الأهلي, مع هذه المعطيات التي هي الأساس الذي بني عليه مجلس التعاون الخليجي ولكن لا بد من تطوير المجلس ليسمح بمزيد من التنسيق بين دول المجلس في مجالي السياسة الخارجية والدفاع, وبالتالي يكون هناك تغير كبير في المجلس, مقارنة بالوضع الحالي وقد يكون هذا الخيار الأفضل لدول المجلس في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها الدول العربية, وقد كتبت في مقالة سابقة في هذه الصحيفة حول أهمية الاتحاد وما يترتب عليه من فوائد لدول المجلس قاطبة وأن التعجيل به أمر محبذ ومرغوب لكافة أبناء الخليج وينتظرون الوحدة بفارغ الصبر خاصة بعد اجتماع الرياض التكاملي والودي وعودة الروح الخليجية للتماسك ونبذ التفرد والخروج المعاكس, فإننا نحن الخليجيين نأمل ونتأمل ونتعشم أن نصبح وحدة خليجية مترابطة في جميع النواحي الأمنية, والسياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والثقافية, وإن كانت أغلب هذه البنود قد جرى تفعيلها فإننا نريد تكاملها في وحدة واضحة وصريحة للكل وليس للبعض لنكن كما قال الشاعر العربي:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تُكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
جمعنا الله وإخواننا في الخليج قاطبة على الخير والمحبة والألفة لنقول بكل وضوح للعالم (خليجنا واحد ونهجنا واحد).