لقد لقي صلى الله عليه وسلم في هجرته عناء كبيرًا ومشقة عظمى، فإن قومه كانوا يكرهون مهاجرته لا ضنٍّا به، بل مخافة أن يجد في دار هجرته من الأعوان والأنصار ما لم يجد بينهم، كأنما يشعرون بأنه طالب حق، وأن طالب الحق لا بد أن يجد بين المحقين أعوانًا وأنصارًا، فوضعوا عليه العيون والجواسيس فخرج من بينهم ليلة الهجرة متنكرًا بعدما ترك في فراشه ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عبثًا بهم وتضليلًا لهم عن اللحاق به، ومشى هو وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه يتسلقان الصخور، ويتسربان في الأغوار والكهوف، ويلوذان بأكناف الشعاب والهضاب، حتى انقطع عنهما الطلب وتم لهما، ما أرادا بفضل الصبر والثبات على الحق.
«المنفلوطي»