يراقب الطبيب من فتحة باب غرفة العمليات، يتابع بقلق ما يحدث في الداخل، وقلبه ينتفض حين يمر مبضع الجراح على لحم ولده، وصراخ الطفل يملأ المكان.. عاد عمراً طويلاً هابطاً من سلم الزمن حتى استقر في حوش بيت عائلته وأمه تداعبه قائلة: اليوم فرحك هيا لترتدي ثوبك الأبيض.
يسرع الفتى ويضع نفسه داخل الثوب الجديد.. يهم بلبس السروال تحته، ولكن الأم تنزعه وهو لا يدري ماذا سيحدث؟ لكنه كان سعيدا بهواء يتسلل من تحت ثوبه.. لينعم جسده بحرية لم يعهدها..
حصان خارج الدار يزدان بخيوط من القصب ولجامه الذهبي يلمع في ضوء الصباح، وهاهو صاحب الميكرفون يعلقه على سطح البيت إيذانا ببدء مراسم يوم الفرح، ونساء وفتيات البيت يركضن لتجهيز الغذاء للضيوف، والأم تمسك بـ(ديك) تتفحصه وتنادي على أخته الصغيرة لتساعدها في ذبحه ليكن له وحده..
وتتساقط نقاط من دماء على أطراف الثوب الأبيض الذي يرتديه الفتى، يشمئز الفتى وتضحك الأم.. يدخل الخال زكي ومعه رجلان من العائلة.. يضعان الفتى على السرير النحاسي... يبكي ويطغى على بكائه ذلك الصوت الآتي من الميكروفون... وكل من الرجلين يمسك بكتفيه ورجليه والخال يباعد بين فخديه، بعد فترة قصيرة يفيق الفتى على لون أحمر يختلط بثوبه الأبيض.
يزداد بكاء الآخر في غرفة العمليات ولكن لا نقطة دم واحدة يراها، وتبدأ الممرضة في تجهيز الصغير لتسلمه له... والأم هناك تبدل ثوبه بآخر جديد استعدادا للزفة المنتظرة على ظهر الحصان. قبل طفله الباكي كبكاء يتذكره.
يفتح باب عربته ويضعه في كرسيه الأنيق وخاله يرفعه على حصانه وتدور العربة وتركض بروية كحصان يقفز راقصاً، ودموع فرحة تختلط بدموع ابنه يفصلها زمن طويل... وصل لمنزله وأم الصغير تجهز مرقة ليشربها الكبير مختلطة بطعم الأيام الغابرة.
- محمد يوسف