في ساعة متأخرة من الليل.. يئنّ هذا الرجل العجوز على سريره الأبيض.. كانت الشاشة الرمادية المشوشة تثير غضب الشاب الذي يطرق برجله على الأرض بإيقاع منتظم.. لقد حاول ما في وسعه لضبط التلفاز لكي يشاهد حلقة من حلقات مسلسل يتابعه في هذا الوقت..
«من المفترض أن أكون الآن في منزلي، مسترخياً على كنبتي الوثيرة.. بدلاً من مراقبة عجوز يحتضر «كان العجوز يعانده بطريقة ما.. فمع محاولات هذا الشاب لضبط التلفاز.. يتعالى أنين العجوز شيئاً فشيئاً فيشعر الشاب بمزيد من التشوش والاضطراب في التركيز.. ومع فشله في كل مرة كان يئن بصوت أكثر ارتفاعا...
«أيها الرجل العجوز..؟!» اقترب الشاب من وجهه.. وتأمل في تلك التجاعيد.. تلك الشعرات البيض المتطايرة.. تلك الأنابيب التي تتشعب بجواره متصلة بأجهزة ضخ الأوكسجين وتخطيط القلب.. تلك الملصقات الصغيرة على ذلك الصدر المترهل.
لا يعرف لما خطر في باله أن ينزعها تماماً كما تُنزع أوراق الشمع من جسده في فصل الصيف.. لقد كان صوت حشرجات تنفسه أمراً يثير الألم والتململ.. لم يكن يشفق عليه البتة..!
أمسك بإحدى شعرات العجوز الرمادية وأقتلعها من رأسه.. همس في أذنه قائلا ً «هل تريد أن تفسد ما تبقى من حياتي؟» كان العجوز يئن أكثر فأكثر.. ابتعد الشاب عنه.. فأخذ يذرع الغرفة يمنة ويسرى كان متوتراً مضطرباً يتصبب العرق من جبينه وقد برزت عروق عنقه.. أخذ يصرخ.. «تكلّم أيها العجوز الـ.. هل تريد أن تفسد عليّ ما تبقى من حياتي..؟»..
يزيد أنينه.. كان كمن يريد أن يجيب.. كمن يريد أن يتكلم.. كان يصرخ به: «تكلم.. تكلم» اندفع في غمرة حمقه وجنونه تلك.. ورمى بنفسه على السرير الذي يتمدد فيه هذا العجوز المحتضر.. ونزع قناع الأوكسجين من وجهه.. وأخذ يهز كتفيه بعنف لكي يتكلم.. لكي يستجيب.. كان العجوز ضعيفاً إلى تلك الدرجة التي لم يعد يحتمل فيها أي شيء.. فرغ للتو من احتضاره.. لقد مات الرجل دون أن ينبس ببنت شفة.. وظل سؤال الشاب معلقا في الفراغ!
- حنان الحربش